جوانتانامو أ ف ب يستيقظ الكوبي، خورخي فروميتا، يومياً على وقع النشيد الوطني الأمريكي يتردَّد في جوانتانامو؛ لأن رياح المصالحة بين واشنطن وهافانا لم تلفح هذا الخليج بعد. وفيما يستعد الرئيس الأمريكي لتكريس عودة العلاقات مع كوبا بزيارةٍ تاريخية؛ يُشكِّل علم بلاده المرفرِف فوق قاعدة جوانتانامو على الجهة الشرقية للجزيرة شهادةً على النزاع القديم بين البلدين. ومنذ سنوات عديدة؛ تطالب حكومة هافانا باستعادة هذه المنطقة التي تناهز مساحتها 120 كلم مربع وتحتفظ بها الولايات المتحدة منذ عام 1903 بعقد إيجار إلى الأبد. ويعيش فروميتا، المتقاعد الذي يبلغ الـ 68 من عمره، في قرية كايمانيرا القريبة مع قرية بوقيرون من حدود القاعدة الأمريكية البعيدة بـ 970 كلم عن عاصمة بلاده. ويتعيَّن على غير المقيمين الحصول على ترخيص خاص للوصول إلى هاتين القريتين اللتين تعتبر الحكومة الكوبية موقعهما حساساً جداً. ورداً على سؤال عن القاعدة البحرية؛ يجيب الرجل ذو الكتفين العريضتين “ننسى بالكامل أحياناً أنها موجودة” و”في أوقات أخرى؛ نسمع نشيد الولايات المتحدة وندرك أننا نبعد خطوة واحدة عنها”. وإذا كانت بلاده تبعد 170 كلم عن سواحل فلوريدا؛ فإن سكان كايمانيرا الـ 11 ألفاً لا يبعدون إلا كيلومترين عن جيرانهم الأمريكيين. ويلاحظ فروميتا، المفتش السابق في الأمن البحري، انصراف الناس إلى الاهتمام بشؤونهم “إذ لا ينظرون أحياناً ناحية القاعدة، لقد اعتدنا عليها”. لكن عدداً كبيراً من السكان المحليين ينظرون إلى وجود حوالي 750 جندياً أمريكياً باعتباره “احتلالاً”. وذكرت ماريا، الموظفة في شركة الكهرباء الوطنية في جوانتانامو، أن “كل ما نريده هو أن يغلقوا السجن ويعيدوا إلينا القاعدة”، متابعةً “نعوِّل على نوايا أوباما”. ومن شرفة مطعم “لا جوبرنادورا”؛ تتراءى بعيداً المنشآت العسكرية الأمريكية ومبانٍ محاطة بالأشجار. فيما يبقى معسكر الاعتقال، الذي افتُتِحَ في عام 2002 وما زال يضم 91 سجيناً، محجوباً. وتعهد أوباما بإقفاله، لكنه يصطدم بمعارضة الكونجرس الرافض لنقل آخر السجناء إلى الولايات المتحدة. رواتب تقاعد بالدولار واليوم؛ لا يعمل أي كوبي في القاعدة الأمريكية؛ إذ تقاعد آخر الموظفين المحليين في عام 2013. وما زال رودي رودريجيز (84 عاما) الوحيد بين هؤلاء الذي يحق له الاقتراب. وفي بداية كل شهر؛ يتوجه الرجل إلى القاعدة لتسلُّم رواتب التقاعد التي تُدفَع إلى 50 من الموظفين المحليين السابقين. ويسير الأمر بروتينية لا تتغير؛ إذ يصل رودريجيز إلى حدود الجانب الكوبي، فيستقبله موظف محلي إضافةً إلى جنودٍ في الموقع الحدودي. ولدى عبوره إلى الجانب الآخر؛ تُسلِّمه موظفة أمريكية مظروفاً يحتوي على 34 ألف دولار نقداً. ويشرح رودريجيز “أخرج من هنا مع المظروف وأودِعه أحد مصارف جوانتانامو”، مشيراً إلى نسجه علاقات ممتازة مع موظفي القاعدة التي عمل في مجالات عدة فيها طوال أكثر من 40 عاماً. ويضيف “تفاهمتُ بشكلٍ جيد أيضاً مع المعادين للثورة”، في إشارة إلى الكوبيين الذين كانوا يعملون في القاعدة ثم هاجروا إلى الولايات المتحدة. لكنه يعبِّر عن اعتزازه بأنه لم يتخل أبداً عن قناعاته الوطنية، ويتساءل “كيف سيشعر الأمريكيون إذا أقمنا قاعدة بحرية في خليج هيوستن؟”، مجيباً “هذا هو الشعور الذي ينتابنا”. وراتبه التقاعدي، الذي بدأ في تسلمه عام 1986، يفوق الـ 1000 دولار شهرياً، أي ما يساوي متوسط راتب مواطنيه 100 مرة. وبعيداً عن توتُّر السنوات الماضية الذي بلغ ذروته عندما دوَّت صافرات الإنذار معلنةً اجتياحاً أمريكياً وشيكاً لم يحصل في نهاية المطاف؛ لا يعلِّق رودريجيز كثيراً من الآمال على زيارة أوباما المقرَّرة مساء غدٍ الأحد إلى هافانا. ويؤكد “لا ننتظر أن تسفر هذه الزيارة عن نتائج كبيرة، فسجناء القاعدة البحرية ما زالوا هنا، والسجن لم يغلَق بعد”.