عواصم وكالات أعلن نحو 70 فصيلاً مسلحاً في سوريا، بينهم «جيش الإسلام» الممثَّل في مفاوضات جنيف، رفضاً قاطعاً لإعلان قوى كردية إقامة نظام فيدرالي في مناطق الشمال، في وقتٍ طالب وسيط التفاوض، ستافان دي ميستورا، وفد النظام ببذل مزيدٍ من الجهد في مسألة الانتقال السياسي. وحذرت الفصائل المسلحة الـ 70 من اعتماد مناطق حكمٍ ذاتي، واعتبرته خطوةً خطيرةً تستهدف تقسيم البلاد. وتعهدت، في بيانٍ لها أمس الجمعة، بمقاومة «هذه الخطوة بكل ما أوتينا من قوة وبكافة الوسائل السياسية والعسكرية»، مُشدِّدةً على «وحدة سوريا أرضاً وشعباً» و«رفض أي مشروع للتقسيم أو مشروع قد يمهِّد له على المدى القريب أو البعيد تحت أي مسمَّى كان»، واصفةً الأمر بـ «خط أحمر». وأعلنت أحزاب كردية أمس الأول إقامة النظام الفيدرالي في مناطق سيطرة الأكراد في الشمال، في خطوة تراها مقدِّمة لاعتماد نظام مماثل في عموم الأراضي السورية في مرحلة ما بعد الحرب. وسارعت المعارضة، ممثَّلةً في الائتلاف الوطني لقوى الثورة، إلى الرفض بقوة. والمناطق المعنيَّة بالإعلان هي المقاطعات الكردية الثلاث، كوباني «ريف حلب الشمالي»، وعفرين «ريف حلب الغربي»، والجزيرة «الحسكة»، إضافةً إلى مناطق سيطرت عليها قوات فصيل «سوريا الديمقراطية» مؤخراً خصوصاً في محافظتي الحسكة وحلب «شمال». ورأت الفصائل المسلحة الـ 70 في بيانها أن «تنظيمات عدة استغلت ثورة الشعب وتضحياته وسيطرت على أجزاء من الأراضي لتأسيس كياناتها العرقية أو القومية أو الطائفية». و«أول هذه المشاريع كان مشروع تنظيم داعش الإرهابي، وآخرها مشروع الفيدرالية في الشمال»، بحسب البيان. وعانى الأكراد، الذين يشكِّلون أكثر من 10 % من السكان السوريين، من التهميش على مدى عقود قبل اندلاع الثورة في عام 2011، وحُرِموا من إحياء احتفالاتهم والكتابة بلغتهم، فيما حُرِمَت فئة منهم من الجنسية. إلى ذلك؛ تظاهر مئات أمس في محافظات حلب وإدلب «شمال غرب» ودرعا «جنوب» وحمص «وسط» إحياءً للذكرى الخامسة للثورة. وفي الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في مدينة حلب؛ رفع ناشطون شعار «تسقط الفيدرالية». وعاود مئاتٌ التظاهر خلال الأسابيع الماضية مع بدء سريان هدنة باتفاق أمريكي- روسي في أواخر فبراير لم توقف العنف لكنها حدَّت منه. وفي جنيف؛ دعا مبعوث الأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، أمس وفد حكومة الأسد إلى بذل مزيدٍ من الجهد لتقديم أفكار تتعلق بالانتقال السياسي وعدم الاكتفاء بالحديث عن مبادئ عملية السلام. وبعد يومٍ مشحون واجتماعاتٍ مع وفدي النظام والهيئة العليا للمفاوضات الممثلة للمعارضة؛ أخبر المبعوث الصحفيين «نحن في عجلة من أمرنا». وكشف عن منحِه الطرفين مقترحاتٍ لتحقيق طلبه من أجل بداية أسرع للمفاوضات التي انطلقت جولتها الثانية نظريَّاً الإثنين الماضي. وسيسعى دي ميستورا خلال الأسبوع الثاني من المفاوضات إلى «بناء قاعدة تمثّل الحد الأدنى من العمل المشترك الذي يمكن من خلاله تحقيق تفاهم أفضل بشأن الانتقال السياسي». ودخل التفاوض أمس الأول في صلب موضوع العملية الانتقالية التي يشترط المعارضون إفضاءها إلى رحيل الأسد. وتحدث الناطق الأممي في جنيف عن استقبال دي ميستورا الوفدين في يومٍ واحدٍ أمس بقوله «أعتقد أن بإمكانكم اعتبار ذلك تطوراً إيجابيَّاً». بذلك؛ تكون الوساطة الأممية اجتمعت مع كل وفد 3 مرات منذ الإثنين في لقاءاتٍ منفصلة. وكان دي ميستورا علَّق على لقائه مع وفد المعارضة الخميس بالقول إن «الوفد قدَّم ورقة جوهرية حول الانتقال السياسي». وأوضح «سندرس الورقة بعناية، ونحن معجبون بتحضيرهم العميق () وآمل أن أحصل على قدر مماثل من الوضوح من الوفد الحكومي»، منبِّهاً إلى «وجوب بدء البحث في الانتقال السياسي ومعرفة موقف الحكومة من انتقال سياسي ممكن». لكنه أقرَّ بأن «المسافة بين الطرفين لا تزال كبيرة»، مؤكداً استمرار البحث عن «قواسم مشتركة» لإنهاء صراع دخل عامه السادس وأوقع نحو 400 ألف قتيل. وأبلغ عضو الوفد الاستشاري المرافق لوفد المعارضة، هشام مروة، عن تقديم المعارضين ورقتين للمبعوث الخميس تتعلقان بملف المعتقلين وإدخال المساعدات الإنسانية تأهباً للتركيز على رؤية بشأن الانتقال السياسي وكيفية تشكيل هيئة الحكم ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة. فيما قدَّم وفد النظام ورقةً الإثنين «تتضمن أفكاراً وآراءً بعنوان عناصر أساسية للحل السياسي». وفي حين يطالب وفد «العليا للمفاوضات» بتشكيل هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة؛ يتحدث النظام في ورقته عن «ضرورة الالتزام بتشكيل حكومة موسعة تشرف على وضع الدستور الجديد»، وهو ما ترفضه المعارضة بالمطلق. وإضافةً إلى الوفدين؛ التقى دي ميستورا أمس وفداً نسائيّاً وآخر من «معارضة الداخل» المقبولة جزئيّاً لدى النظام، علماً أنه التقى الأربعاء وفداً من المعارضة القريبة من موسكو. ويعد الأكراد أبرز الغائبين عن المفاوضات. في السياق نفسه؛ توقَّع المتحدث باسم «العليا للمفاوضات»، سالم المسلط، بدء عودة ملايين اللاجئين من مواطنيه إلى ديارهم إذا «نجحت عملية السلام وتوقَّف القتال». وتقول المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين إن ما يربو على 4.8 مليون شخص فرّوا من النزاع إلى الدول المجاورة مثل لبنان وتركيا والأردن، بينما تقدَّم 900 ألف آخرين بطلبات لجوءٍ إلى أوروبا لاسيما إلى ألمانيا. وبينما دخلت الجولة الثانية من مفاوضات السلام يومها الخامس؛ قال سالم المسلط «الحقيقة أنك لو سألتَ أي شخص أي مكانٍ أفضل له؛ سيقول بيته». ووصف وجود مواطنيه في الدول الأخرى «التي احتضنت شعبنا» بـ «مؤقت»، مشدِّداً «لا بد من أن يعودوا، وسيعودون في اللحظة التي يجدون فيها بيتاً آمناً في بلادهم، عندما يقف هذا القصف وعندما يقف هذا القتل سيعودون على الفور». ولاحظ المسلط مراقبة اللاجئين مسار التفاوض «فإذا كانت النتائج إيجابية؛ فكلٌّ سيحزم حقائبه للعودة»، متهماً فريق التفاوض الذي يمثل الأسد بالمماطلة ورفض الدخول في محادثات مباشرة مع «العليا للمفاوضات» التي تسعى إلى الدخول سريعاً إلى النقاش حول الانتقال السياسي. و»إذا أصرت الحكومة على المحادثات غير المباشرة؛ فهذا يعني أنها جاءت إلى جنيف لتضييع الوقت وكسب الوقت»، بحسب تعبيره. ولدى سؤاله عن التقاء دي ميستورا بوفود أخرى تعدُّ نفسها معارِضة؛ أجاب المسلط «مع تقديري لبعض الشخصيات ممن دعاهم السيد دي ميستورا، لكن الأغلبية لا يمثلون البلاد ولا يمثلون الشعب، هم معارضة أُنشِئَت لتعارض المعارضة ولتعارض الشعب، هي أُنشِئَت من قِبَل النظام»، معتبراً أن مواطنيه يريدون من يمثلهم ويعمل على رعاية شؤونهم. إلى ذلك؛ أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة باضطرار بعض السوريين في المناطق المُحاصَرة في داريا ودير الزور إلى أكل العشب بعد انقطاع الإمدادات الغذائية. وجاء في تقريرٍ للبرنامج «في الحالات الأكثر شدة؛ يتحملون أياماً دون تناول طعام ويرسلون أبناءهم للتسول وأكل العشب والنباتات البرية». ويفرض النظام حصاراً على داريا القريبة من دمشق، فيما يحاصر مسلحو تنظيم «داعش» الإرهابي دير الزور. ويحتل التنظيم مدناً وبلداتٍ أخرى بينها تدمر التابعة لمحافظة حمص. وأبلغت وزارة الدفاع الروسية أمس عن شنِّ طائراتها الحربية من 20 إلى 25 غارة يوميّاً لإسناد جيش الأسد في هجوم بدأه قبل أسبوع لاستعادة تدمر. وذكر المسؤول الكبير في هيئة الأركان في موسكو، الجنرال سيرغي رودسكوي، خلال مؤتمر صحفي أن قوات النظام تشن عملية واسعة النطاق لاستعادة المدينة «فيما الطائرات الروسية تنفِّذ معدل 20 إلى 25 غارة جوية في اليوم». وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أشار الخميس إلى «معارك عنيفة» تجري قرب تدمر حيث نفذ جيش بلاده الثلاثاء غارات جوية رصدَها المرصد السوري لحقوق الإنسان. ويسيطر «داعش» على المدينة الأثرية منذ مايو الماضي. وتبنَّى التنظيم الإرهابي في بيانٍ مقتل 5 جنود روس و6 جنود من قوات النظام خلال معارك بالقرب من المدينة، دون أن يحدد تاريخاً. وكانت موسكو أعلنت أنها ستسحب الجزء الأكبر من قواتها في سوريا بعد تدخل جوي بدأ في 30 سبتمبر الماضي، لكنها أكدت مواصلتها شن ضربات على «أهداف إرهابية». ورأت وزارة الدفاع الروسية أن الظروف مواتية لإلحاق هزيمة كاملة بقوات «داعش» في تدمر. وأعلن الجيش الأمريكي بدوره أن روسيا سحبت معظم مقاتلاتها من سوريا وباتت تنفذ ضربات لدعم قوات النظام مستخدمةً المدفعية عوضاً عن الطائرات. و»ما زال لدى الروس طائرات هليكوبتر وعدد من طائرات النقل، لكننا لاحظنا أن غالبية المقاتلات غادرت»، بحسب المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي، الكولونيل باتريك رايدر. وأخبر رايدر الصحفيين بأن بلاده لم تلحظ تنفيذ القوات الروسية أي ضربات جوية في الأيام القليلة الماضية بما في ذلك المنطقة المحيطة بمدينة تدمر «إذ تستخدم المدفعية عوضاً عن ذلك». ويبدو حديثه متعارضاً إلى حدٍّ ما مع ما أدلى به الجنرال رودسكوي.