ساو باولو أ ف ب تنزلق البرازيل تدريجياً إلى فوضى سياسية، إذ علَّق القضاء دخول الرئيس السابق، لولا دا سيلفا، إلى الحكومة، في وقتٍ باشر النواب إجراء إقالة الرئيسة اليسارية، ديلما روسيف، على خلفية تظاهراتٍ في الشوارع. وواصل آلاف المحتجين مساء أمس التظاهر في ساو باولو وبرازيليا، حيث احتشدوا أمام الرئاسة والبرلمان. في المقابل؛ تدخلت الشرطة بالغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية. وهزَّت اضطراباتٌ في الشوارع أمس الأول عملاق أمريكا اللاتينية، بالتزامن مع مناوشاتٍ بين أنصار الرئاسة وخصومها قبل تدخُّل عناصر الأمن للفصل. ورداً على الحشد ضدَّ السلطات؛ عمِد اليسار إلى تحريك قواه بعد 5 أيام على بدء تظاهرات معارضة لروسيف شارك فيها نحو 3 ملايين شخص. ودعا حزب العمال الحاكم، إضافةً إلى نقابة العمال الوحيدة في البلاد وحركات أخرى، إلى تنظيم تظاهرات في أكثر من 30 مدينة. وقد تتواصل التوترات خصوصاً في مدينة ساو باولو، حيث نصب معارضون 20 خيمةً في شارع باوليستا الرئيس. ورفع عشراتٌ، باتوا ليلتهم الخميس أمام مقر «الاتحاد الصناعي» واسع النفوذ في المدينة، لافتاتٍ كتبوا عليها «الإقالة الآن». وشدد كريستيان غالفاو (44 عاماً) «سنتظاهر كما تظاهروا في أوكرانيا، لن نخرج من هنا حتى تسقط ديلما». ولتدارك المواجهة؛ أكد منظمو التظاهرات المؤيدة للحكومة على «الطابع السلمي» لتحركاتهم. وطالبوا الأمن بـ «ضمان حق الجميع في التعبير عن مواقفهم». وارتفعت بورصة ساو باولو بنسبة 6.6%، إذ رأت الأسواق في الأحداث مؤشراتٍ تسبق سقوط حكومة مشلولة في أوج الركود الاقتصادي. وكانت ديلما روسيف، قالت خلال احتفالٍ بتسلُّم سلفها لولا دا سيلفا منصبه الجديد كمديرٍ لديوان الحكومة، إن «هتافات الانقلابيين لن تحملني على تغيير مساري». وما كاد الرئيس بين عامي 2003 و2010 يتسلَّم منصبه الجديد الذي يعادل تقريباً رئاسة الوزراء؛ حتى علَّق قاضٍ في برازيليا التعيين، عاداً إياه «جنحةً على الأرجح لعرقلة عمل القضاء من جانب الرئيسة». ودا سيلفا مهدَّد بالحبس المؤقت في إطار تحقيق حول «فضيحة بتروبراس»، إذ تُوجَّه إليهم تهمتا «الفساد» و«تبييض الأموال». و«بتروبراس» شركة شبه حكومية لاستخراج وتصنيع ونقل البترول في الداخل والخارج. ورأى القاضي أن تعيين الرئيس السابق في منصبٍ جديد قد يتيح له الإفلات من التهديد القضائي. ولاحقاً؛ ألغت محكمة أخرى في برازيليا قرار تعليق دخول لولا دا سيلفا إلى الحكومة، لكن الإلغاء لم يُنفَّذ لأن قاضياً آخر من ريو دي جانيرو أمر في حكمٍ مستعجلٍ بتعليقٍ مماثل. عرقلة عمل القضاء وكان لمحادثةٍ بُثَّت الأربعاء بين الرئيسة وسلفِها وقعاً مدوياً، إذ تبعتها تظاهرات استنكارٍ في الشوارع. وفي التسجيل؛ أوضحت روسيف أنها ستسارع إلى إصدار مرسوم تعيين دا سيلفا كي يستخدمه فقط عند الضرورة، وهو ما اعتبره كثيرون تلميحاً إلى احتمال اعتقاله. واعتبر القاضي الذي أصدر قرار تعليق التعيين أن تسلُّم دا سيلفا منصبه «يمكن أن يعني تدخلاً غير ملائم ومدان .. في ممارسة الشرطة والنيابة العامة والسلطة القضائية أعمالها» كما «يعني تدخلاً مباشراً من ديلما روسيف في عمل السلطة القضائية». واحتجت روسيف على أساليب القاضي الفيدرالي، سيرجيو مورو، الذي يتولى التحقيق في ملف «بتروبراس» وعمِدَ إلى الكشف عن معلومات. والتزم دا سيلفا، الذي تعده خليفته منقذاً كونه حقَّق معجزة اجتماعية اقتصادية، الصمتَ الخميس. وبعد الظهر؛ باشر النواب إجراء إقالة الرئيسة، وشكَّلوا لجنة خاصة من 65 نائباً لكتابة تقرير بشأن إقالتها. وسيُرفَع التقرير إلى الجمعية العامة لمجلس النواب. والتصويت بثلثي الأصوات (342 من 513) ضروري لتوجيه الاتهام إلى روسيف أمام مجلس الشيوخ. وإذا ما حصل العكس؛ يتوقف الإجراء. وإذا ما وُجِّهَت إليها تهم، قد تتنَّحى روسيف مؤقتاً عن منصبها فترةً أقصاها 180 يوماً. حينها؛ تحتاج إقالتها إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ (54 من 81)، وإلا تستأنف على الفور مهام منصبها. انقلاب وهذا الإجراء الذي باشرته المعارضة في ديسمبر الماضي؛ أوقفته المحكمة الفيدرالية العليا التي حددت بصورة نهائية إجراءاته الأربعاء. وتتهم المعارضة الحكومة بتزوير الحسابات العامة في عام 2014 في خضم الحملة الرئاسية بغرض التقليل من تأثير الأزمة الاقتصادية والتشجيع على إعادة انتخاب الرئيسة. لكن التحالف الحاكم المنبثق من الانتخابات التشريعية في عام 2014 والمؤلَّف من 314 نائباً (61.2%) يحمي روسيف من تصويتٍ معارضٍ بثلثي أعضاء مجلس النواب. مع ذلك؛ بدا أن التحالف تقلَّص كثيراً في سياق انزلاق البلاد في الأزمة. ولا يستطيع أحدٌ اليوم تحديد رقعة توزيع القوى. وطلب حزب الحركة الديمقراطية 30 يوماً ليقرر ما إذا كان سيستقيل من الحكومة أم لا. منذ ذلك الحين؛ تتهم روسيف المعارضة بالسعي إلى «انقلاب دستوري» تأثراً بالهزيمة الانتخابية. ويفيد آخر استطلاعات للرأي بتأييد 60% من البرازيليين إقالة روسيف.