التساؤل الذي يفرض نفسه على كبار أندية الدوري الإنجليزي الممتاز الآن، كيف يمكن التفوق على ليستر سيتي بقيادة المدرب كلاوديو رانييري بعد أن تمكن حتى الآن في تصدر البطولة بهذا المستوى المذهل من الأداء؟ كيف يمكن وقف قطار ليستر سيتي السريع؟ حتى هذه اللحظة، وبعد مرور ثمانية أشهر على انطلاق الدوري الممتاز، ما يزال ليستر سيتي لغزًا محيرًا يصعب على الجميع فك طلاسمه، رغم أن الجميع أصبح يألف الآن أسماء نجومه وحيلهم ومهاراتهم، التي أبرزها ضراوة الهجمات المرتدة للفريق. ورغم هذا، ما يزال أبناء رانييري أشبه بشفرة سرية محكمة تأبى كشف أسرارها. المذهل أن ليستر سيتي مني بثلاث هزائم فقط على امتداد مسيرته الموسم الحالي بالدوري الممتاز - وخضعت واحدة منها فقط، وهي خسارته بخمسة أهداف مقابل هدفين أمام آرسنال في سبتمبر (أيلول)، للتحليل الدقيق. إذن يبقى التساؤل: كيف يمكن هزيمة هذا الفريق الذي لا يهزم؟ كان هذا هو التساؤل الذي طرحه دان ألتمان - الخبير الاقتصادي المتخرج في جامعة هارفارد من خلال دراسة أجرتها شركة «نورث يارد أناليتيكس» التي يعمل بها والتي تتعاون مع عدد من أندية الدوري الممتاز. وخلال مؤتمر التحليلات الرياضية الذي يستضيفه معهد ماساتشوستس للتقنية الذي يعقد في شهر مارس (آذار) من كل سنة،، شرع ألتمان السبت الماضي في طرح رؤيته الخاصة بالنسبة لإجابة هذا التساؤل. وفي حديثه أمام حشد من الجمهور، بدأ تحليله على النحو التالي: «كلما زاد معدل تمرير ليستر سيتي للكرة، قل عدد الأهداف التي يسجلها». وقد علم ألتمان ذلك لأنه حلل كل لعبة هجومية بدأها ليستر سيتي من داخل نصف الملعب الخاص به خلال هذا الموسم. وقد شمل ذلك تفحص إجمالي طول التمريرات في كل حركة هجوم، علاوة على ما إذا كان الاستحواذ أدى لتصويب كرة باتجاه المرمى ومدى جودة الفرصة التي أثمرها. والمثير أن هذا التحليل مكنه من تقدير مدى مباشرة الهجمات التي يشنها ليستر سيتي مقارنة بالفرق الأخرى - وكيف تؤثر سرعة تنفيذ الهجمات على خلق الفرص لإحراز أهداف. وجاءت النتائج التي خلص إليها ألتمان مذهلة. أولاً: نجح لاعبو ليستر سيتي في خلق فرص أفضل كثيرًا عندما كانوا يتحركون باتجاه مرمى الخصم مباشرة. وعليه، فإنهم مثلاً إذا استحوذوا على الكرة على مسافة 80 ياردة من المرمى، فإن معدل الأهداف المتوقعة مقابل الاستحواذ يأتي في أعلى مستوياته عندما كان يجري تمرير الكرة لما بين 80 و120 ياردة قبل التصويب على المرمى. ويعني ذلك أن فرصهم تصبح في أفضل مستوياتها عندما يتبعون أسلوبًا مباشرا في اللعب. أما عندما يتبعون أسلوبًا أكثر تحفظًا، مثل آرسنال أو مانشستر سيتي، فإن فرصهم في تسجيل هدف تتضاءل بشدة عن الفرق الأخرى القريبة من ترتيبهم بالدوري الممتاز. كما كشفت البيانات عن أمر آخر، وهو أن داني درينكووتر ونيغولو كانتي يعتبران بمثابة رئيسا النحل العامل داخل خلية ليستر سيتي، حيث يتوليان حماية اللاعبين الأربعة في خط الظهر، بينما يتقدمان من حين لآخر نحو منتصف الملعب. وبالطبع لا يأتي هذا من فراغ، بالنظر لحقيقة إن كانتي يتصدر لاعبي الدوري الممتاز في عدد مرات اعتراضه طريق وتداخله مع لاعبين آخرين للاستحواذ على الكرة. ومع ذلك، فإنه حسبما أوضح ألتمان، على امتداد المباريات الـ16 الأولى من هذا الموسم، بدأت النسبة الأعلى من أخطر كرات ليستر سيتي من عند درينكووتر أو كانتي. أيضًا، احتلت الكرات الطويلة الصادرة عن حارس المرمى كاسبر شمايكل مركزا متقدم في هذه الإحصائية. لكن كيف يمكن للفرق أن توقف ليستر؟ أو على الأقل تبطئ تقدمهم. بالنظر إلى أن فريق رانييري يحتاج لأن يكون مباشرا، يتحتم على الفرق أن تجبر فريقه على اللعب على الجناحين في أغلب الأحوال، وذلك لأن الفريق يجد نفسه مضطرا للتراجع للمنتصف ليصنع لنفسه فرصا أفضل، الأمر الذي يقلل من سرعة الهجمات. يحتاج الفريق كذلك إلى الضغط عن طريق اللاعبين درينكووتر وكانتي بشكل أكبر. في الحقيقة، بحسب أتلمان، بدأنا نرى ذلك بالفعل، فعند عقد مقارنة بين أول 16 مباراة لليستر سيتي في الموسم الحالي وبين الاثنتي عشرة مباراة التالية، لاحظنا أن الهجمات التي بدأها اللاعبان درينكووتر وكينتي كانت أقل تأثيرا في أغلب الأحيان بسبب اندفاعهما. أغلب لعب ليستر يبدأ ويستمر عن طريق الأجناب، خاصة المدافع كريستيان فوتشس. كان تأثير هجوم ليستر واضحا، ففي 17 مباراة من إجمالي 28 مباراة في الدوري الممتاز، زاد معدل التصويب بعد امتلاك الكرة من نصف ملعبهم بواقع 50 في المائة. الأهداف المتوقعة بعد استحواذهم على الكرة - وهي طريقة لتقييم جدوى الفرص التي سنحت لهم - تراجعت بواقع 25 في المائة. أكد ألتمان أن محاضرته لم تكن خطة شامله لإيقاف ليستر، لكنها كانت مجرد صورة صغيرة تحوي بيانات، بالإضافة إلى أن اتباع الطرق التقليدية مثل التحليل باستخدام مقاطع الفيديو، كلها يمكن أن تساعد الفرق على تطوير قدراتها.