أقدم شاب طائش في منطقة (جازان) بالسعودية على قتل أمه بأن أطلق عليها الرصاص بكل دم بارد، لأنها رفضت أن تعطيه نقودًا، ولا أستبعد أن ذلك الشاب كان من المدمنين على المخدرات. صعقني ذلك الخبر وكأن المقتولة هي أمي، ورغم أنني لا أعرف أمي، ولم تتكحل عيناي برؤيتها، إلا أنني أجزم بأن المحروم من عاطفة الأمومة هو محروم من أنبل العواطف في هذه الحياة، فأين ذلك الشاب الأهوج من أحدهم عندما قال: كانت أمي تعيش في مزرعة صغيرة لعائلة بات لها أحد عشر أبنا وابنة وبما أن تواريخ الميلاد لم تكن تحفظ دائمًا في تلك الأيام، فإن أمي لم تعرف عيد ميلادها قط. ومع الأيام انتقلت أمي إلى منزلنا لتعيش معي ومع زوجتي، وإذ تذكرنا أنها حرمت من الاحتفال بعيد ميلادها طوال تلك السنوات، أقمنا لها حفلة دعونا إليها أصدقاءنا وأصدقاء أولادنا. وبعد وضع اللمسات الأخيرة، دعوناها إلى الطبقة السفلى تفاجأت بنا نغني لها: «سنة حلوة». وجلست أمام الطاولة طافحة حبورًا وقد ملأ الدمع عينيها وهي تحتفل للمرة الأولى بعيد ميلادها خلال ثمانين عامًا. ومنذ ذلك الحين بتنا نحتفل بعيد ميلادها في أي يوم نختاره، أما هي فكانت تحتج قائلة: «لكننا احتفلنا بعيد هذه السنة»، فنجيبها: «ينبغي أن نعوّض ما فاتك من أعياد». غير أننا لم نستطع ذلك، فقد ماتت أمي وهي في التسعين، في حين أن أعياد الميلاد التي أقمناها لها لم تتجاوز الخمسة عشر عامًا – انتهى. في هذه العجالة لا بد لي من التذكير لكل قارئ، بأن حبلك السرّي قد قطع لحظة خروجك للدنيا وسيبقى أثره ليذكرك دائمًا بإنسانة عظيمة كانت تغذيك من جسدها – هذا إذا كان لديك ضمير. وإنني أرجو من كل واحد منكم أن يدعو لأمه قائلاً: اللهم اجعلها سيدة من سيدات أهل الجنة، حتى لو كنت أنا حطبة من حطب نار جهنم. وبالمناسبة هناك رجل من مكة المكرمة، اشتهر ببره وحبه لأمه إلى درجة أنهم يضربون به المثل، ومن طقوسه أنه رغم ثقل جثته فإنه يتقلب على الأرض تحت قدميها يوميًا لمدة ربع ساعة، ثم يكبسهما ويقبلهما ليكسب رضاها، وبعدها يذهب في حال سبيله. واسمه: (حاتم ولد فتّو)، وهو على فكرة يتعاطى أيضًا الشعر الحكيم باللهجة الحجازية المكاوية المحببة، ومن أشعاره: من دق باب الرضا يلقى الرضا ردو ومن دق باب الجفا يأخذ على قدو احنا درسنا الهوى جزرو على مدو وما يكسب الواحد إلا ما قدمت يدو