لا أعتقد أن التعديلات التي أجريت على قانون الضمان الاجتماعي نابعة من دراسات علمية موثقة، بقدر ما أنها أقرب إلى الانطباعات الشخصية والتملص من تقديم الخدمة الإحباط هو الفجوة بين ما يتوقعه الإنسان وما يحصل عليه بالفعل، وبمقدار هذه الفجوة يتحدد حجم هذا الإحباط، وهو يشبه تماماً ما تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية حالياً من التضييق على الناس، والبحث عن أدنى الأسباب لإسقاطهم من الضمان الاجتماعي، فتراها تُفاخر بأعداد المواطنين الذين تقوم بقطع الإمداد عنهم، وكأنها بهذا الفتات اليسير الذي كانت تدفعه لهم قد أوصلتهم إلى مرحلة متقدمة من البذخ والترف! مع أن أكثرهم يجدون صعوبة في الحصول على احتياجاتهم الأساسية، ويمارسون حياتهم بشكل عصامي، لا يكادون معه يؤمِّنون لقمة العيش لعيالهم، فمن يتصفح وجوه الناس ويستنطق شفاههم يشعر بموجة من الهم والحزن تجتاحهم، ويرى مجالسهم تغشاها سحابة داكنة من اليأس والإحباط، إذ كانوا ينتظرون أن تتبدل أحوالهم على نحو أفضل، لكن ما حدث هو العكس من ذلك، وبدلاً من الحفاظ على القيمة الشرائية لأوراقهم النقدية، ودعم السلع الأساسية، فوجئوا بإسقاط بعضهم من الضمان الاجتماعي، فيما البعض الآخر ينتظر الإسقاط! ليعلم إخواننا أن هنالك فارقاً كبيراً بين وزارة الشؤون الاجتماعية ومصلحة الزكاة، فالأولى تقدم خدماتها للناس على اعتبار أنهم شركاء في الثروة والمال العام، ومن حقهم أن يعيشوا حياة تتناسب مع مركز بلدهم المالي وقوته الاقتصادية - أي لا يُشترَط أن يكونوا فقراء ليتم دعمهم- كما أن خدماتها ظاهرة يُعرَف بها المُفيد والمستفيد، ولو أُديت في الخفاء لكانت شكلاً من أشكال الفساد، بينما مصلحة الزكاة هي أقرب إلى العمل التطوعي، وتعمل لأسباب دينية خالصة، فكلما أُديت في الخفاء كان ذلك أدعى في القبول، وأجزل في الثواب، والمشكلة آتية من أن وزارة الشؤون الاجتماعية تنظر إلى نفسها على أنها ليست أكثر من مصلحة زكاة، يتلخص دورها في نقل الأموال من الأغنياء إلى الفقراء، واستجلاب الفتاوى المحذرة من أخذ أموال الضمان لغير المستحقين لها على اعتبار أن مصدرها الوحيد هو الزكاة، مع أن الأمر ليس كذلك، ولا أدري لماذا تتعامل الوزارة مع الناس على هذا الأساس؟! مع أن الضمان ليس حكراً على مصارف الزكاة المعروفة، ولذلك فإن بعض الدول يُفصَل فيها بين وزارة الشؤون الاجتماعية ومصلحة الزكاة، فالوزارة تقوم على أساس العمل المؤسسي، ولها رؤى وأهداف وفئات مستهدفة، كما أن لها ميزانية محددة كل عام، تتحدد وفقاً لاحتياجاتها وأعداد المستفيدين منها، بينما أموال الزكاة متغيرة، وهي تزيد وتنقص بحسب ما يُجمَع من أموال، إضافة إلى أن العمل المؤسسي يقوم على قواعد واضحة وقوانين معينة، يعرف المستفيد بموجبها ما سيحصل عليه من بداية إدراجه في قائمة المستفيدين، ولا يمكن أن يتغير دخله إلا بموجب نظام واضح، ومن غير اللائق أن جهة حكومية تبني خدماتها على أساس ما تجود به أيدي الناس والمؤسسات التجارية! من المؤسف أن كثيرين تمت تصفيتهم وإسقاطهم من الضمان لأسباب غير مقنعة، ولمعايير لا تتناسب مع مفهوم الشراكة على الإطلاق، فالمرحلة الأولى وحدها من تفعيل الربط التقني والإلكتروني بين وزارة الشؤون الاجتماعية وعدد من الجهات الحكومية أسقطت وأوقفت أكثر من 107 آلاف حالة ضمانية، بسبب أن لبعضهم عقارات وملكيات أراضٍ ووظائف وسجلات تجارية وقروضاً صناعية واستثمارية، كما أعلنت الوزارة قبل أيام أنها كشفت عن وجود 71 ألف شخص غير مستحق للضمان الاجتماعي، للأسباب نفسها وغيرها، وإنه مع اعترافي بوجود من يستحقون الطرد والمحاسبة، إلا أن السواد الأعظم من المسقَطين بناء على معايير الضمان الجديدة لا يعني أنهم غير مستحقين بالفعل، ولا أعتقد أن التعديلات التي أجريت على قانون الضمان الاجتماعي نابعة من دراسات علمية موثقة، بقدر ما أنها أقرب إلى الانطباعات الشخصية والتملص من تقديم الخدمة، إذ لا يُعقَل أن كل من ملك أرضين للبناء، أو لديه سجل تجاري، أو تواجد خارج البلاد 90 يوماً، أو حتى باسمه راعي أغنام هو بالضرورة غير مستحق للضمان، كما لو أن المواطن مُخيَّر بين أن يسكن أو يأكل! ثم ما فائدة الدراسات العلمية حين لا تأتي القرارات متماشية مع نتائجها، كتلك التي قام بها الدكتور سامي الدامغ ونشرت نتيجتها في أبريل 2014، فكانت تشير إلى أن خط الكفاية في السعودية للأسرة المكونة من خمسة أفراد هو مبلغ 8926 ريالاً شهرياً. لقد كان من المفترض على وزارة الشؤون الاجتماعية أن تحدد المستحق وغير المستحق بناء على خط الكفاية على الأقل، ويمكنها تحديد ذلك بشكل دقيق من خلال معرفة متوسط دخل الفرد الشهري، فكل من قلَّ دخله عن هذا الرقم فهو مستحق للضمان الاجتماعي، بغض النظر عن أي اعتبار آخر، وإلا فإن الوزارة إذا استمرت على هذا النهج فستصل إلى مرحلة يصل عندها عدد المستفيدين من الضمان إلى الصفر، لأن تصعيب الحصول على أي شيء لا يتطلب أكثر من الزيادة في شروطه! ومن القصص الطريفة في هذا الشأن أن أحدهم تأخر في سحب ما هو موجود في بطاقته الضمانية، ولما أراد تجديدها، اكتشف أن القرار الأخير قد ألقى به خارج القائمة، ولأن بطاقته لا تعمل لم يستطع السحب، فلما طالبهم بالحصول على المبلغ في رصيده أخبروه أن هذا غير ممكن، وأنه لو كان محتاجاً إليه بالفعل لما تأخر في سحبه حتى هذا الوقت!