أخيرًا.. أدرك المرور أن "مَنْ أَمِنَ العقوبة أساء الأدب"؛ فبعد صبر طويل، ونَفَس أطول، عرفوا أن هذا التهوُّر الذي أصبح ديدن بعض قائدي المركبات شرٌّ مستطير، وأنه أهدر الكثير من مقدرات بلادنا الغالية من الأرواح قبل المال؛ فآخر الإحصاءات التي ظهرت يشيب لها رأس الرضيع، ويطير منها عقل الشيخ الحليم؛ ففي كل يوم نفقد "إحدى وعشرين" نفسًا بسبب الحوادث، وينضم (٣٥) إلى ركب المعاقين..!!! فماذا ننتظر بعد هذا؟!!! أخيرًا.. أدرك المرور أن "آخر العلاج الكي"؛ فأصدر قرارًا بأن مَن يقود سيارته بسرعة تتجاوز (١٦٠) كلم توقف خدماته. وتفاصيل هذا القرار، كما صرح بذلك د. محمد البقمي مدير إدارة مرور الرياض: "بدأنا بالسرعة فوق (٢٠٠) حتى وصلنا إلى السرعة فوق (١٦٠) كلم". وذكر أن النظام بدأ بالرياض، وسيمتد لبقية المناطق. كما بيَّن الإجراءات التي ستُتخذ قبل إيقاف الخدمات، وهي كالآتي: - الاتصال ثلاث مرات بالمخالِف؛ ليراجع المرور "وحدة الرصد الآلي". - إرسال رسائل نصية، تفيد بضرورة مراجعة المرور. - يحوَّل المخالف الذي لم يراجع المرور للمحكمة المرورية التي تتكون من عدد من الضباط؛ كي يُصدروا عليه حكمًا حسب نظام المرور. - يتم إيقاف خدماته. هذا القرار الحكيم وأمثاله من القرارات الحازمة هي التي ستُنقذ الكثير من الأرواح -بإذن الله-، وتحدُّ كثيرًا من هذا الهدر الكبير لمقدرات وطننا الغالي.. فقد وصل التهوُّر مداه..!! وبلغ الاستهتار مبلغًا، لم يصله من قبل، وأصبحت الرعونة ديدن هؤلاء المارقين عن القانون.. الذين استمرؤوا هدر الأموال والتسبُّب بقتل الأنفس البريئة.. وحوَّلوا الكثير من أبنائنا إلى معاقين..!!! وتسبَّبوا في خسارتنا (١٣) مليار ريال سنويًّا..!!! نعم.. نعم.. آن الأوان لمثل هذا القرار أن يصبح واقعًا ملموسًا.. والحمد لله أنه أصبح كذلك في مدينة الرياض، وبإذن الله سيمتد لبقية المناطق قريبًا. فجزى الله خيرًا مَنْ سعى لتطبيقه، ومَن ساعد على ذلك، ومَن التزم به، ومَن شجّعه ونشر ثقافة الوعي بأنظمة المرور وقواعد السلامة. جميل هذا التدرج في التعامل مع المخالِف.. والأجمل تطبيق مثل هذه القرارات.. والأجمل من ذلك كله تطبيق بقية الأنظمة التي ما زالت حبيسة الأدراج..!!!! فالنظام لا قيمة له ولا فائدة منه إن لم يرَ النور، ويُطبَّق على أرض الواقع، ويردع المخالِف، ويوقف المتهور عند حده، ويحافظ على ممتلكات البلد، ويحمِه من هدر طاقاته، وإزهاق أرواح أبنائه، ويلحقه بركب الحضارة والتطور والتقدم والازدهار.. فهذه الأرواح التي تزهق، وهذه المليارات التي تهدر، كفيلة ببناء وطن كامل.. كفيلة بالقضاء على الحاجة والعوز في أي بلد في الدنيا.. هذه المقدرات نحن أولى بها.. وإهدارها من كُفْر النعمة - والعياذ بالله -.. فهذه الخيرات وهذا النعيم ابتلاء من الله - عز وجل - لنا واختبار.. فهل سنحافظ عليها، ونشكر الواهب؛ فتزيد، أم نهدرها ونكفر بها؛ فتزول..؟!! كما أخبرنا ربنا - عز وجل - بقوله: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}.