يعيش الجنيه المصري حالة من التراجع أمام العملات العالمية ومنها الريال السعودي، حيث تراجع سعر تبديل الـ 100 جنيه مصري إلى 40 ريالا سعوديا بعد أن كانت تعادل 48 ريالا، ما يعني فقدان ثمانية ريالات من قيمته. ويأتي ذلك في وقت قفز فيه الطلب على الجنيه المصري من قبل السياح السعوديين الذين يستعدون للسفر إلى مصر خلال الإجازة الدراسية، وقد أرجع اقتصاديون ومحللون ماليون تراجع العملة لعدة عوامل أهمها؛ تراجع الناتج المحلي الإجمالي الذي تسبب في ضعف الاقتصاد المصري، إضافة إلى التضخم وضغط النمو السكاني المتزايد الذي جعلها في مصاف الدول ذات النمو السكاني المرتفع، وإلى أسعار الفائدة بتأثير من الأوضاع الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع تكلفة الإقراض التي تحاول الحكومة من خلالها تغذية عجز الميزانية والمصروفات. وقال لـ "الاقتصادية"، علي الزهراني المستشار المالي إن جميع العملات تندرج تحت أربعة عوامل تحدد سعرها؛ أولها الأداء الاقتصادي للدولة، ولا يخفى على الجميع الأداء الاقتصادي الضعيف في مصر من خلال معيار اقتصادي دقيق هو حساب الناتج المحلي الإجمالي. ومن المعروف أن الناتج المحلي الإجمالي هو ما تنتجه الدولة وتستفيد به بيعا من خدمات ومنتجات تدخل إلى خزانة الدولة وهذا المعيار قد بدأ في التراجع، كما استجدت أوضاع جديدة أثرت في الاقتصاد المصري ومن ضمنها الثورة، والعامل الآخر الذي لا يقل أهمية عن الناتج المحلي هو التضخم فهو من المحددات الرئيسة لسعر صرف العملة؛ فكلما زاد التضخم قلت قيمة العملة، وبالتالي فإن هذا عامل مؤثر بشكل كبير في مصر. وأضاف الزهراني أن التضخم كان بفعل زيادة الأسعار والطلب الذي كان في طور النمو من ناحية عدد السكان، حيث إن مصر تتميز بنمو سكاني مرتفع وهي من أعلى المعايير العالمية من حيث نمو السكان. ولفت الزهراني إلى أن أسعار الفائدة بتأثير من الأوضاع الاقتصادية أدت إلى أن أصبحت تكلفة الإقراض مرتفعة ولذلك تحاول الحكومة الاستفادة من أسعار الفائدة لتغذية الميزانية وتغذية المصروفات، مشيرا إلى أنها في إحدى المراحل استدانت من البنك الدولي، ومن دول الخليج وقد لعبت تلك المساعدات دورا في الضغط التضخمي على الأسعار. وقال الزهراني إن أسعار الفائدة في مصر كانت وما زالت مرتفعة وهو ما قد يتسبب في إشكالية من حيث ارتفاع أسعار الفائدة، كما أن كمية المشاريع التي ستضخ في الاقتصاد المصري من سيولة ستكون قليلة، ما سيرفع معدل البطالة بشكل كبير جدا. وأفاد الزهراني بأن عاملي العرض والطلب من أهم العوامل من حيث قياس محددات سعر صرف العملة وذلك لأن ما يحكمهما هو المعروض النقدي الأجنبي وهو معيار قياس مهم جدا في السياسة النقدية، وذلك لأن هذا المعيار كلما كان في ارتفاع كانت الدولة قوية؛ لأنها تمتلك احتياطيات نقدية أجنبية كبيرة. وأشار الزهراني إلى أن السحوبات المصرفية في مصر وعمليات الشركات التي لديها أعمال هناك التي هي بحاجة إلى تحويلات الأرباح من مصر إلى خارجها معيار مهم جدا، بحيث إنه كلما كان هذا المؤشر في ارتفاع كانت الدولة قوية وتمتلك احتياطيات نقد أجنبي متوازنة. وحول الحلول التي يطرحها الاقتصاديون لمواجهة الاقتصاد المتأزم، قال البروفيسور فاروق الخطيب أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز إن تعويم الجنيه المصري ينطوي على خطورة كبيرة في ظل ضعف الصادرات والأداء الاقتصادي السيئ لقطاع السياحة والفائدة الوحيدة التي قد تحسب لخفض أسعار الفائدة - في حال اعتمدت - هي زيادة الاستثمارات الأجنبية. وأوضح الخطيب أن سياسة تعويم الجنيه تكرر الحديث عنها، وربما ستؤثر سلبا في الواردات من السلع الاستثمارية وغيرها، مضيفا، أن هناك حاجة إلى إعادة هيكلة فاتورة الواردات حتى لا تشكل عبئا على ميزان المدفوعات، لأن ارتفاع فاتورة الاستيراد عادة ما يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي خاصة على الاقتصادات التي تعتمد على الاستيراد. ونوه الخطيب إلى أن مقترح فك الارتباط مع الدولار يأتي في ظل أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك التجاري الأول لمصر وهو ما يفسر طرح الاقتصاديين لفكرة إنشاء سلة عملات تشمل اليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني بأوزان ترجيحية بحيث تمثل كل عملة في الاحتياطي النقدي حسب طبيعة ومقدار المعاملات التجارية والمالية بين مصر وأي دولة أخرى، وبالتالي يتحسن الميزان التجاري لمصر مع الاتحاد الأوروبي وينكسر الارتباط بالدولار. واعتبر الخطيب أن إجراءات البنك المركزي، في السيطرة على السوق السوداء للعملة في مصر ستلعب دورا إيجابيا إضافة إلى إغلاق بعض شركات الصرافة وضبط كبار التجار والمضاربين على العملة الأجنبية وتحديدا "الدولار" التي سبق أن أعلن عنها سيكون لها دور كبير، حيث ستحقق نوعا من الاستقرار في سوق العملة في مصر. من جهته، أوضح لـ "الاقتصادية"، عبد الله العامودي "صاحب شركة صرافة"، أن الطلب على الجنيه المصري مرتفع خلال هذه الفترة بشكل ملحوظ مرجعا ذلك إلى ارتفاع الطلب من قبل السياح السعوديين ثم الطلاب والتجار، مؤكدا أن الطلب كبير ومتزايد، متوقعا استمراره حتى تنتهي الإجازة الدراسية. وأكد العامودي أن سعر صرف الجنيه تراجع بشكل ملحوظ خلال الفترة الحالية، حيث تراجع سعر تبديل 100 جنيه مصري إلى 40 ريالا سعوديا مسجلا هبوطا بقيمة ثمانية ريالات، وأن سعر صرف الـ 100 جنيه مصري كانت تعادل في السابق 48 ريالا، منوها إلى أن ما يحدث في سوق العملات ينعكس على محال الصرافة وأسعار الصرف. وأشار العامودي إلى ارتفاع الطلب على الجنيه على الرغم من أن السياح السعوديين والمصريين يفضلون تبديل الجنيه المصري بالريال في السوق السوداء في مصر، للاستفادة من فروق سعر التبديل، مضيفا، أن الصيارفة استعدوا للإقبال المتوقع على الجنيه خلال الإجازة وهو ما حدث على عكس فترات سابقة لم يصل فيها الطلب إلى هذا النحو المأمول.