تشير إحصاءات إلى أن نسبا مرتفعة للقضايا في المحاكم السعودية حول خلافات الشركاء في الشركات العائلية، كما تشير إحصاءات أخرى إلى نسب عالية جدا لانهيار الشركات العائلية بمجرد دخولها مرحلة الجيل الثاني من الملاك، ما ينتج عن ذلك فقدان الاستقرار في السوق والاستمرارية في العمل، والسبب يعود في الأساس إلى كون الشركات العائلية غالبا ما تكون أقل تنظيما وترتيبا، وكثيرا ما لا توجد فيها أنظمة ومعايير حوكمة جيدة كي تنظم وتسيطر على الأعمال العائلية ما يعني أن هناك خطورة عالية حول إمكانية تعاقب الأجيال بلا حوكمة جيدة. ولذلك سعت وزارة التجارة إلى تشجيع الشركات العائلية لتحولها إلى شركات مساهمة مقفلة، أو على الأقل اعتماد سياسات حوكمة قوية لكون الحوكمة الجيدة السبيل الوحيد نحو ضمان استمرارية وبقاء تلك الشركات، كما أنها ضمانة أخرى لسلاسة وتيسير انتقال الملكية للجيلين الثاني والثالث دون أن تتعثر الشركة وثروة العائلة. من المهم أن يفهم ملاك الشركات العائلية أهمية تطبيق معايير الحوكمة العالية لأجل القضاء على كل ما يهدد استقرار الشركة واستمراريتها في العمل، وقد طرحت وزارة التجارة دليلا استرشاديا لحوكمة الشركات العائلية واقترحت وضع ميثاق للشركة يكون بمنزلة الآلية التي من خلالها تتمكن العائلة من معرفة كل ما يدور داخل الشركة إضافة لتمكين الشركة من وسائل رقابية تحمي الشركة من الانهيار أو الفساد وتمكن العائلة أيضا من إصلاح الخلل بآليات نظامية متوافرة لديهم بدلا من الدخول في خلافات ونزاعات قد تؤدي إلى انهيار الشركة وضياع الكثير من المال والجهد. الحوكمة مصطلح له أهمية بالغة في أعمال الشركات، وتبدأ أولى مراحل الحوكمة من خلال الهيكلة النظامية الجيدة للمنشأة العائلية، فالمؤسسات الفردية يجب أن تتحول إلى شركات، وكذلك الشركات ذات المسؤولية المحدودة يفضل تحولها إلى مساهمة، كون شركات المساهمة عليها رقابة أكثر واشتراطات هيكلتها أعلى وأكثر قوة. كما أن الهيكلة يجب أن تشتمل على توزيع السلطات داخل الشركة، بداية من مجلس العائلة الذي اقترحه الدليل الاسترشادي الذي سبق ذكره، ومرورا بتكوين مجلس إدارة فعال، وتتوافر فيه لجان متعددة ومتخصصة، ثم الإدارة التنفيذية وتعزيز الرقابة فيها من خلال المراقب المالي والمراجع المالي الخارجي والداخلي وهكذا. يأتي بعد ذلك الهيكلة الداخلية حسب النشاط، فيجب أن يتم فصل كل نشاط في شركة تخصه، لتعزيز الرقابة والمسؤولية داخل كل نشاط وتسهيل عمليات الرقابة والحوكمة داخل الشركة، إضافة إلى الحماية القانونية للقطاعات من تسرب المسؤولية بين القطاعات والإضرار بالمنشأة ككل. ولا شك أن الشركات التي تطبق الحوكمة بشكل فعال تكون محل ثقة واطمئنان لدى مساهميها على استثماراتهم، ويعد مؤشرا على نظام هذه الشركة وكفاءتها، فالحوكمة نظام يحدد من خلاله حقوق ومسؤوليات جميع الأطراف من مجلس الإدارة والمديرين والمساهمين وغيرهم ممن لهم علاقة بالشركة، وتكون هناك هيكلة يتم من خلالها مراقبة الأداء والتوجيه ومعرفة النتائج والسعي نحو تحقيق الأهداف المتفق عليها لخدمة الشركة وغيرها من الأمور التي تكون ذات صلة بنجاح واستمرارية العمل دون أن يؤثر أي خلاف شخصي أو غيره مما يمكن أن يحدث بين ملاكها. ومن أهم النقاط في هيكلة الشركات العائلية، التي ينصح بها كثيرا؛ هو فصل الملكية عن الإدارة، فالبعض يرى أن تطبيق هذه العبارة يقتضي من الناحية العملية فصل العائلة عن الإدارة بشكل كامل، وهذا بلا شك غير صحيح، لأنه لا بد من تمكين بعض أفراد العائلة من المشاركة في إدارتها وتوجيه أعمالها سواء كان ذلك من خلال مجلس الإدارة أو الفريق التنفيذي للشركة، ولكن وفي الوقت نفسه يجب تطبيق الفصل بين السلطات وتوزيعها بشكل يضمن عدم تركز كامل السلطة في بيد أحد الأفراد المتنفذين في الشركة، إضافة إلى وجود آلية نظامية لعزله بسهولة في حال لم يرض عنه الأغلبية من أبناء الأسرة (الملاك هنا)، هكذا تكون فعالية الحوكمة، إضافة إلى تهيئة أجيال جديدة من العائلة لتولي عدة أعمال في الشركة من خلال خطة تضعها الشركة، وبذلك يتم الحفاظ على حق أفراد العائلة في ممارسة حقوقهم الرقابية على الشركة بوصفهم مساهمين فيها، وذلك يكون ضمن إطار مؤسسي واضح يمنع أيا من أعضاء العائلة التدخل في غير اختصاصاته التي يحددها وضعه في الشركة، كما أن هناك مجلس العائلة الذي يتألف من عدد من مساهمي الشركة أو شركائها، وفكرة وجود مجلس للعائلة من أهم أفكار حوكمة الشركات العائلية، وغالبا ما يوصي بتكوين هذا المجلس في حال يصعب معه إيجاد آلية تواصل رسمية ومباشرة مع المساهمين أو الشركاء وذلك نتيجة ازدياد حجم العائلة. ولأهمية الجانب التنظيمي للعمل في شركات العائلة وبعيدا عن حساسية علاقة الترابط بين ملاكها، لذلك اقترحت وزارة التجارة وضع ميثاق للشركة ليسهم بمزيد من التنظيم والحوكمة للشركة إضافة إلى عقد التأسيس أو النظام الأساسي للشركة،حيث يؤكد الميثاق معايير الحوكمة بتضمين قواعد عمل أعضاء العائلة في الشركة ضمن اللوائح الوظيفية للشركة التي يصدرها مجلس الإدارة أو مجلس المديرين، كما يعزز الميثاق المسؤولية الجماعية لدى كل عضو مشارك من العائلة، ويحفظ التوازن العادل بين مصالح الشركة عموما ومصالح الأعضاء الفاعلين. ولا بد أيضا من وضع سياسة تخص توزيع الأرباح في الشركة العائلية، ومنع تنازع المصالح بين الشركة وبعض ملاكها، وتتم مراعاة جميع ما قد يهدد استمرارية الشركة.