نشرت جريدة الرياض في عددها الصادر في الرابع من يناير 2014 تقريرا هاما عن جدوى وأهمية ومخاطر الاستثمار الزراعي في الخارج والانتقادات التي تطال تسهيلاته الائتمانية التي وصفت بأنها غير جاذبة، وذلك بمناسبة إطلاق وزير الزراعة للموقع الإلكتروني لمبادرة الاستثمار الزراعي في الخارج التي تعود في جذورها لأواسط العام 2007 حينما اشتدت الأزمة العالمية في أسواق المحاصيل والغلال الرئيسية ومنعت العديد من الدول الرئيسية حينها تصدير القمح ومحاصيل أخرى بسبب النقص الكبير في المحصول بسبب الجفاف. ولكن ما حدث من تطورات منذ 2007 حتى الآن يستحق أن يستعرض فبرغم مما ورد في بعض إصدارات المعهد الدولي لبحوث برامج الغذاء (IFPRI) من تخوف من تزايد ظاهرة استحواذ مستثمرين من الدول الغنية على الأراضي الزراعية في الدول الفقيرة لأغراض مضاربية بحتة لا علاقة لها بالاستثمار الزراعي، إلا أن هذه الظاهرة أصبحت الان حقيقة واقعة. وتستثمر العديد من الدول العربية والأجنبية في الزراعة في دول الوفرة المائية بغرض توفير الأمن الغذائي لمواطنيها بل وصلت المسألة حد الترف بتوقيع دول صناعية متقدمة وناشئة لعقود مع 15 دولة من دول جنوب وشرق أفريقيا لإنتاج محاصيل تستخدم في إنتاج (الوقود الحيوي) ومن هذه الدول المستثمرة إنجلترا والسويد واليابان وكوريا الجنوبية والهند. ولكن بمرور الوقت وتسارع هذا النوع من الاستثمار على الصعيد العالمي بوتيرة عالية بدأ التفكير جديا في إعادة النظر بأساليبه وأدواته بل وفي صرف النظر عنه في حالات معينة وذلك بعد اتضاح ملامح (الرفض الشعبي) في تلك الدول لما يعتبرونه استيلاء من الأجانب على أراضيهم ومياههم في ضوء أوضاع سياسية وأمنية غير مستقرة في معظم الدول الفقيرة المستضيفة، إضافة إلى تحرك منظمات حقوقية دولية عديدة للحد من المخاطر البيئية التي تتسبب فيها الاستثمارات الأجنبية الكبيرة في الأرياف التي بدأت تعاني من تلوث الأرض ومصادر المياه من الاستخدام المكثف للمبيدات الحشرية والتجارب الخطرة الغامضة التي تجريها بعض الشركات الأجنبية على فسائل من البذور والنباتات والأحياء الهجينة. ولقد عانت بعض استثماراتنا السعودية في الخارج من عوامل اهتزاز الأوضاع الأمنية والسياسية في بعض الدول العربية والأفريقية. ففي بعض الدول الأفريقية يتركون المحصول حتى يحين وقت حصاده ليأتي ضباط كبار ومعهم الشاحنات والعمال فيحصدون معظمه لصالح الجيش ! أعجبك ذلك أو يدفنونك في مكانك. واليوم يعاني أكثر من 400 مستثمر زراعي سعودي يستثمرون ما يزيد على 13 مليار ريال في إثيوبيا من المضايقات الشعبية المحلية، وشروط الدعم المتشددة لصندوق التنمية الزراعية التي من أهمها طلب «تأمين الأمن السياسي في البلد الموجود فيه الاستثمار» وذلك بحسب تصريح لرئيس جمعية المستثمرين الزراعيين السعوديين في إثيوبيا محمد بن عبدالرحمن الشهري في حديثه لجريدة الحياة. ويبدو أن هذا الشرط أو المطلب للصندوق هو الذي حال بينه وبين دعم المستثمرين السعوديين على مدى السنوات الماضية ما دعاهم إلى تقديم شكوى لمقام خادم الحرمين الشريفين للنظر في أوضاعهم التي تردت ودفعت بالعديد منهم للتخلص من استثماراتهم بأي ثمن. ولذلك أتساءل: طالما أن وزارة الزراعة وذراعها التمويلية أصبحوا محيطين بالمخاطر السياسية والأمنية التي تحول بينهم وبين دعم المستثمرين السعوديين في دول أجنبية شجعوا مبدئيا على الاستثمار فيها، فلماذا يحجمون عن دعمهم ؟ ولماذا لم ينبهوهم لهذه المخاطر منذ البداية ؟ ولماذا نسمع عن مزيد من الإمعان في نفس التوجه وعن شركات مثل جدوى وسالك وغيرها تعد عدتها وتسخن معداتها للانطلاق بالأموال للخارج في استثمار معروفة نتيجته مقدما ؟ وشواهد مستقبله ظاهرة صارخة تناشدهم التروي والتفكير بالمدخل قبل التنفيذ ؟ فمدخل الخطة كما هو معلوم أهم من الخطة نفسها ؟ ولكن لضيق المساحة أكتفي بما أوردت وأعد بمناقشة مسألة المدخل في مقالة الأسبوع القادم إن شاء الله.