بيروت: ليال أبو رحال دخلت جبهة النصرة، المحسوبة على تنظيم القاعدة، بقوة على خط وقف المواجهات العنيفة الدائرة منذ يوم الجمعة الماضي بين «الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» من جهة، وتشكيلات من الجيش الحر وفصائل إسلامية، من جهة أخرى، بهدف السيطرة على المناطق المحررة في شمال سوريا. ودعا زعيمها أبو محمد الجولاني، أمس، الطرفين إلى وقف المعارك، محذرا من أن استمرارها قد ينعش نظام الرئيس السوري بشار الأسد. واتهم الجولاني، في تسجيل صوتي بثته جبهة النصرة على حسابها الرسمي على موقع «تويتر» أمس تنظيم «داعش» بـ«اتباع سياسة خاطئة في الساحة كان لها دور بارز في تأجيج الصراع»، إضافة إلى عدم التوصل «إلى صيغة حل شرعية بين الفصائل البارزة تنصاع لها كل القوى لحل الخلافات العالقة»، مشيرا في الوقت ذاته إلى «الكثير من الاعتداءات بين الفصائل المسلحة وتجاوزات من بعض الفصائل». وعد الجولاني أن هذه التراكمات أدت إلى قتال على مستوى عال جدا ستدفع ثمنه، إن استمر، الساحة أولا، وأن الثمن على المجاهدين والأنصار سيكون ضياع ساحة جهادية عظيمة وسينتعش النظام بعد قرب زواله. وتشارك جبهة «النصرة» في المعارك إلى جانب مقاتلي المعارضة المؤلفين بشكل أساسي من ثلاثة تشكيلات هي «الجبهة الإسلامية» و «جيش المجاهدين» و«جبهة ثوار سوريا» في بعض هذه المعارك، في حين تبقى على الحياد في مناطق أخرى. وأشار الجولاني في التسجيل ذاته إلى مبادرة الجبهة «لإنقاذ الساحة من الضياع، وتتمثل بتشكيل لجنة شرعية من جميع الفصائل المعتبرة وبمرجح مستقل، ويوقف إطلاق النار (...) ويجري تبادل المحتجزين من كل الأطراف وتحظى الخطوط الأمامية في قتال النظام بالأولوية الكبرى». وتأسست جبهة النصرة في يناير (كانون الثاني) 2012 وتبنت الكثير من الهجمات التي استهدفت مراكز عسكرية وأمنية نظامية. ورفضت في أبريل (نيسان) الماضي إعلان أبو بكر البغدادي، زعيم الفرع العراقي لتنظيم القاعدة، دمج «دولة العراق الإسلامية» والجبهة تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وكانت الاشتباكات بين الجانبين استمرت أمس في مدينة الرقة، مركز المحافظة الوحيد الخارج عن سيطرة النظام السوري، والتي تعد معقلا لـ«داعش». وتركزت المواجهات في محيط مبنى المحافظة، حيث المقر الرئيس للدولة الإسلامية واستخدم فيها السلاح الثقيل، وفق المرصد. وتحاصر مجموعات مقاتلة أبرزها «جبهة النصرة» منذ الأحد مقر الدولة الإسلامية في الرقة، وتمكنت من تحرير 50 معتقلا من مقر آخر. ودفعت سلسلة من أعمال القتل المماثلة والخطف التي يقول الناشطون، إن الدولة الإسلامية تقف خلفها منذ صيف عام 2013، بالكتائب المقاتلة إلى إعلان حرب مفتوحة ضد هذا التنظيم المتشدد، المرتبط بـ«القاعدة». وفي موازاة استمرار المعارك بين «داعش» وكل من فصائل الجيش الحر وكتائب إسلامية في حلب وإدلب، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أمس إعدام الكتائب المقاتلة والمسلحين ما لا يقل عن 34 مقاتلا من «داعش» و«جند الأقصى»، وجميعهم من جنسيات غير سوريا، خلال الأيام الفائتة في مناطق بجبل الزاوية بإدلب. وارتفعت حصيلة القتلى بذلك، إلى 274 شخصا على الأقل، بينهم مدنيون، في المعارك المستمرة منذ يوم الجمعة الماضي بين تشكيلات المعارضة وعناصر «داعش»، بحسب المرصد، الذي أفاد أيضا بارتفاع حصيلة قتلى القصف الجوي على مناطق حلب وريفها منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي إلى أكثر من 600 شخص بينهم 172 طفلا. وتعرضت مناطق سيطرة المعارضة في حلب وريفها خلال الأسابيع الماضية لقصف مكثف بالطيران الحربي والمروحي، إلا أن حدته تراجعت في الأيام الماضية. وقصف الطيران الحربي أمس حي الإنذارات في كبرى مدن الشمال السوري، فيما أفاد ناشطون أن قصفا مدفعيا من قبل قوات النظام استهدف سوقا شعبية وسط حي الفردوس بمدينة حلب، ما أسفر عن سقوط قتلى ونحو 20 جريحا. في موازاة ذلك، حذر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من ارتكاب نظام الأسد وميليشيا أبو الفضل العباس الإرهابيين، مجزرة بحق 1200 مدني على الأقل، احتجزوا الأحد الماضي على حاجز تابع لميليشيا أبو الفضل العباس، واقع بين بلدتي حجيرة ويلدا بريف دمشق. وقال في بيان له أمس، إن «نظام الأسد وعد أهالي مدينة يلدا بتأمين خروج آمن لهم بعد حملة حصار وتجويع ممنهجة طالت عليهم داخل مدينتهم؛ ولكنه أخلف وعده فقامت ميليشيات المرتزقة التابعين له باحتجاز 1200 شخص - بينهم نساء وأطفال - ممن خرجوا، ولا يزال مصيرهم مجهولا». وطالب الائتلاف المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه الشعب السوري، والضغط على نظام الأسد، لإطلاق سراح جميع المحتجزين والمعتقلين على الفور، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المناطق المحاصرة. في موازاة ذلك، أعلن النظام السوري موافقته على إخراج 200 مريض من مخيم اليرموك المحاصر من القوات النظامية للعلاج في المستشفيات السورية في دمشق، على أن يبدأ إخراجهم اعتبارا من صباح اليوم (الأربعاء) من أحد معابر شارع فلسطين الملاصق للمخيم اليرموك. وكشف مسؤول في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة أنه جرى الاتصال بالهلال الأحمر السوري والفلسطيني والطواقم الطبية المختصة لتأمين عملية الخروج إلى المراكز الطبية والمستشفيات في دمشق. ويعاني المدنيون العالقون في مخيم اليرموك من حالة تجويع مرعبة أودت بحياة أكثر من 30 شخصا بينهم أطفال ونساء. وأكد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أحمد مجدلاني التي عقدت اتفاقا قبل نحو شهرين مع النظام السوري لفك الحصار من دون ترجمتها عمليا، أن «أربع جماعات مسلحة تتحصن داخل مخيم اليرموك، وعدم خروج المسلحين مرتبط بأجندات سياسية لا سيما التطورات الحالية المتعلقة بانعقاد مؤتمر (جنيف 2) وهذه الأطراف لديها مصلحة بتعطيل الاتفاق وبقاء المخيم رهينة في يدها». في موازاة ذلك، لا يزال مصير خمسة موظفين من منظمة «أطباء بلا حدود» مجهولا بعد اختطافهم الأسبوع الماضي بريف اللاذقية. ونفت المنظمة، في بيان لـ«الشرق الأوسط» أمس أن تكون أكدت «مسؤولية أي جماعة عن حادثة احتجاز أفراد طاقمها»، مشيرة إلى «عمل فريقنا على تأمين العودة الآمنة لزملائنا». وناشدت المنظمة بالتكتم العام إلى حين عودتهم سالمين.