مـحـطـة تلـفــزيونية مغمورة في ألبانيا، البلد البلقاني الصغير الذي بقي حتى فترة قصيرة نسبياً خارج خريطة العالم أصبحت بين ليلة وضحاها حديث وكالات الأنباء المسموعة والمرئية ومواقع التواصل الاجتماعي. عصمت دريشتي المالك للمحطة اكتشف أن تقديم نشرات الأخبار من طريق مذيعات شبه عاريات سيقود «زيار تي في» الى عالم الشهرة بين المحطات التلفزيونية الكبيرة، وقد يؤمن له ذلك منافسة معها ولو الى حين. يقول دريشتي في معرض تبريره لهذا السلوك الغريب، إن الهدف لا يكمن في تسويق خدمات جنسية من أي نوع، وكل ما في الأمر أن محطته تنوي تقديم الأخبار عارية وقريبة من الحقيقة. لم يقل أحد من قبل أن الأخبار المحلية والعالمية يمكن أن تصدر من جسد مذيعة، هذا إن أخذنا عصمت دريشتي على «قدّ عقله» كما يقال، ولو أراد أحد تقديم الأخبار بغض النظر عن تبنيه الحياد في تقديمها لما بقي معلن واحد في السوق إن جرى «اختراق» احتكار الخبر وطريقة تحريره وتقديمه للمشاهد. الادعاء أن هناك حقيقة عارية قول هاوٍ بأبسط تعريف، فليس هناك مكان لمثل هذا «العري» لأن طبيعة هذه المهنة لا تقبل به، ولو افترضنا جدلاً أنه يمكن القبول بذلك نظرياً، الا أن الحقائق على الأرض لا تقبل أن تكون عارية لمجرد أن متمولاً يريد أن يغير من «ميكانيزم» الخبر وطريقة تقديمه للمشاهد مصوراً أو مكتوباً أو مسموعاً أو غير ذلك. لا نعرف الخلفية التي يتحدر منها عصمت دريشتي سوى أنه مالك هذه المحطة. لكن دريشتي الذي يقود مذيعاته الى منافسات «موقتة» مع محطات كبيرة في عالم تحكمه عقلية موحدة غير مرئية يجهل أن الحقيقة العارية لا تنبع من جسد المذيعة شبه العاري. هذه بديهية يجب عدم الغوص فيها من أجل تفنيد ادعاءات الرجل، وله في عالم الموضة والأزياء دروس بليغة. فقد أحكمت الشركات الضخمة الطوق من حول أجساد العارضات وأبقت على أوزان الريشة والفراشة فيها، حتى يخال المرء أثناء عرض موحد للأزياء في الدور الكبيرة أنه يتابع حفلة للهياكل العظمية بعدما فرضت هذا الدور على العارضات المسكينات الهزال والنحف، ولها في تبريرها ذلك ما يوحي بأن شركات الأزياء تعرف أن تلهي الزبون بالجسد الأنثوي يطيح بفكرة الزي المعروض، وتدفعه باتجاه البحث عن مفاتن العارضة، لا البحث عن الأزياء. المذيعة العارية لا تبقي من الخبر ما يفيد بوجود أي حقيقة فيه، عارية أم غير عارية. والواضح أن «طواغيت» المال لا يهمهم هنا سوى تكديس الأرباح ولو من طريق الشهرة السريعة التي قد تتبخر في أي لحظة. «زيار تي في» بهذا المعنى تخالف بديهيات كثيرة وهي تلهث وراء الحقيقة التي لا تكون عارية دائماً على محطات التلفزة.