×
محافظة الرياض

اختتام فعاليات مسابقة "قراء" في المعهد العلمي بالدرعية

صورة الخبر

لعل من نوافل القول أن الهدف الإنساني بشكل عام هو تحقيق الأمن والطمأنينة والرفاه للإنسان، وهي في المحصلة النهائية تشكل قاعدة لبعث مشاعر السعادة والفرح في قلوب البشر وتجعلهم أكثر تقبلاً للآخر والحوار الإنساني الموضوعي المبني على التفاهم، والأخير يفضي إلى التسامح بين البشر ونبذ العنف وخفض منسوب المشاعر السلبية كالحقد والكراهية والتعصب. إن فكرة استحداث وزارتين للسعادة والتسامح في حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة الجديدة هي خطوة استباقية لتأصيل المبادئ التسامحية في المجتمع ووأد مكامن الفتن والبغضاء والتمييز والكراهية. فالتغيير الوزاري في حكومة دولة الإمارات لم يأت صدفة بل هو نتاج تأملات شاعر يدرس الواقع وينظر للمستقبل بعين زرقاء اليمامة ونظريات عملية مبنية على تجارب سابقة وتمحيص في الواقع المحلي والواقع المحيط كما ورد في مقالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم التي رد فيها على كثير من التساؤلات المثارة دولياً ومحلياً حول استحداث وزارات السعادة والتسامح والشباب. ومن يتأمل هذا الثالوث الوزاري الجديد يمكنه أن يلاحظ أنه يحاول الإمساك بزوايا اجتماعية مفصلية في حياة أي مجتمع وهم الشباب مادة المستقبل وقادته وأيضاً في نفس الوقت هم المستهدفون من كل ذي مأرب خبيث سواء كان داخلياً أو خارجياً في حالة إهمالهم. ولعلنا لمسنا كيف تم تجنيد شباب مهملين ومهمشين في بلاد كثيرة واستخدموا كوقود للفتن والحروب والتخريب بدل البناء والتعلم والعمل. إن شريحة الشباب كانت وما زالت نصب عيني سموه منذ تسلمه أول منصب وزاري في السبعينات، ولمس لاحقاً عندما أوكل للشباب مناصب ومهام مفصلية كيف أجادوا وأبدعوا كل في ميدانه، لكن كما يقال لا يمكن الولوج إلى نفسية الشباب إلا من قبل شاب مثلهم ولهذا فإن استحداث وزارة لهم تتولاها وزيرة شابة كان في ذهن صاحب السمو ولم يأت صدفة بل هو شغله الشاغل منذ شبابه. أما وزارة التسامح فقد باتت ضرورة نظراً لأن دولة الإمارات هي الدولة الوحيدة في العالم التي يعيش فيها أكبر عدد من الجنسيات بما يمثلونه من أعراق وأديان ومذاهب ومعتقدات وعادات، وهذا كله يتم صقله رويداً في بوتقة متآلفة داخل الدولة، وبدون تسامح عملي بين هذا النسيج لا يمكن لهذا الاختلاط أن ينسجم مع بعضه، ونحن نشهد ويلات عدم التسامح بين أديان ومعتقدات ومذاهب في بلاد محيطة بينما التسامح الديني والعرقي أدى إلى ازدهار حضارة راقية في بلاد الأندلس تحت رعاية الدين الإسلامي الذي كفل للجميع حرياتهم ومعتقداتهم. ذلك أن انعدام التسامح يؤدي إلى الحقد والكراهية ويفجر العنف داخلياً وعبر الحدود والقارات أيضاً. فالمبادئ الإنسانية الخيرة لا يمكن حشوها في قانون بل بالممارسة منذ الصغر كأن نلقن أطفالنا مبادئ الحوار والإقناع واحترام الآخرين والاستماع إلى وجهات النظر الأخرى. أما بالنسبة للسعادة فهي الأمل لكل إنسان منذ بدء الخليقة، وتداول الفلاسفة والمفكرون مفهوم السعادة وفقاً للقيم المادية والمعنوية وإن كان صعباً الاستحواذ عليها والادعاء بذلك، لكن يمكن إنجازها تراكمياً بخلق أجواء اجتماعية سعيدة سواء في العمل أو البيت وأماكن الترفيه والتحصيل العلمي وأوقات الفراغ... إلخ. فالمشاعر الإنسانية ليست كتلة واحدة بل يقاس كل شعور بدرجات متفاوتة، فليس هناك سعادة مطلقة بل هي نسبية وفقاً للظروف وما يضيفه الإنسان من محفزات لاستمطارها مادياً ومعنوياً، أي سعادة حسية وغير حسية وسعادة دنيوية وسعادة أخروية. لكن في النهاية لا يمكن توفير السعادة بحقنة أو قانون ما ولكن بخلق بيئة تنشط المشاعر الإيجابية لدى الفرد في حياته الاجتماعية والعملية والعلمية وهذا يتطلب منظومة من المشاريع المختلفة لتحقيق الطمأنينة التي هي مفتاح السعادة. هكذا فهمت مقالة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد حول المستحدث في الحكومة والمفاهيم التي انطلق منها وصولاً إلى تأمين المجتمع وتحصينه في مواجهة المتغيرات الاقتصادية من جهة والتحديات الخارجية التي تهب منها رياح السموم في المنطقة، فاستباق الأحداث هو خير و سيلة دفاعية وهو أيضاً يؤسس لأنموذج حضاري يحتذى به. وفي النهاية فإن أسعد الناس هو من أسعد الناس. hafezbargo@hotmail.com