العديد من الآراء والمشاعر تموج في ذهن الاماراتيين هذه الايام، بعضها يعكس ما يدور في أذهاننا شخصيا ويجري على ألسنتنا والبعض الآخر تشخيص ربما غير واقعي لمجتمعنا. البعض يقول بأنه يشعر بغربة وكأن ما يجري في مجتمعنا من متغيرات لا يمت لواقعنا بصلة، والبعض الآخر يقول بأنه يشعر وكأننا في سباق مع الزمن لجعل المستحيل ممكنا. وبين هذا التيار وذاك ترتفع وتيرة معتدلة ثالثة تقول بأننا يجب أن نسير مع التيارات العالمية في التنمية والبناء والفكر والتخطيط ما دمنا قد اخترنا هذا النمط من الحياة وأنه لا رجعة عن هذا التوجه خاصة وأن لدينا قضايا كثيرة لا نملك حلولا آنية لها. ولكننا من جهة أخرى يجب الحفاظ على خصوصيتنا الثقافية وهويتنا الوطنية واتصالنا مع جوارنا العربي والاسلامي. وفي الواقع فإن ما يجري في الإمارات من متغيرات سريعة لا يربك الإماراتي فقط بل يدهش المراقبين للتجربة الإماراتية جميعهم. ففي خلال أربعة عقود ونيف ظهرت الى الوجود تجربة تنموية مغايرة لكل التجارب التي عرفتها البشرية، تجربة تضم بين جنباتها كل المتناقضات، فهي تجربة تضم: القديم والجديد، الاصالة والحداثة، الصغير والكبير، السهل والصعب. وعلى الرغم من كل تلك المتناقضات الا أنها قابلة للتعايش مع بعضها البعض بأسلوب متناغم الامر الذي يربك المراقب غير القادر على الوصول الى صميم تجربتنا المحلية. فكيف للماضي أن يعيش مع المستقبل؟ كيف للمواطن المتأقلم مع تقاليده المحافظة الموغلة في القدم أن يقوم بكل هذه المتغيرات الحديثة المذهلة؟ وفوق ذلك كله كيف يمكن للإنسان الإماراتي أن يعيش ويتعايش مع هذه المتغيرات ويحيدها لمصلحته؟ الا تخلق لديه غربة حضارية ونفسية؟ هذه التساؤلات ربما تثير تساؤلات وهواجس أخرى وقد لا تترك مكانا للإجابات. فالتجربة الاماراتية قائمة على فلسفة معينة وهي عدم الالتفات للخلف حتى اصبحت هذه الفلسفة فلسفة للكثيرين ومنهم المقيمون بيننا. الجميع هنا في سباق مع الزمن: المواطن لكي يقهر الظروف التاريخية التي ساهمت في تأخر مجتمعه، والمقيم لكي يقهر الظروف الاقتصادية الطاردة في بيئته الاصلية، والكل في سباق مع الزمن لكي يخلق بيئة مغايرة محايدة يستطيع أن يعيش فيها وأن ينتج ويبدع ويبتكر. هذا الوضع يجعل من البيئة الإماراتية بيئة عمل مستمر ودؤوب تماما كخلية النحل. الكل يجب أن يعمل حتى يخرج العمل متكاملا ومنظما. الكل يريد أن يكون مميزا ليس من أجل التميز في حد ذاته ولكن لأن التميز هو مفتاح لحياة جديدة وهو نقطة تمكننا من الانطلاق نحو أهدافنا وتحسين ذاتنا وتقديم الافضل لمجتمعنا. ولهذا تميز مجتمع الإمارات بخصائص جعلته على الدوام محط الانظار، هذه الخصائص يأتي على رأسها التميز والابداع والابتكار. في الوقت ذاته تميز المجتمع بخصائص روحية جعلته أيضا متفردا وهي التسامح وتقبل الآخر والتعايش السلمي. هذه المميزات جعلته يتفوق على غيره من المجتمعات ويبرز كأنموذج تنموي جميل يبهر الناظر اليه. ولكن كغيره من المجتمعات لا يخلو من مشاكل وتحديات وصعوبات تنموية. فكل تجربة عالمية بها من السلبيات والايجابيات ما يجعلها تجربة انسانية ثرية حيث إنه لا توجد تجربة عالمية متكاملة ومثالية وقابلة للتطبيق في أي مكان. ولكن كيف يقيم المواطن الإماراتي تجربته التنموية وبأي عين يراها؟ تلعب عناصر المواطنة وقيمها دورا مهما في تأطير قيم الولاء والانتماء للوطن. وعادة ما يظهر الولاء والانتماء للوطن وقت الازمات حيث يلتف المواطن وراء قيادته، ولكن لو اردنا قياس الرأي ومعرفة التيارات المختلفة التي تموج في المجتمع فهي عادة ما تظهر وقت السلم. وبما أن لمجتمع الإمارات خصوصية ديمغرافية معينة فهذا أيضا يلعب دورا في بروز تلك التيارات وتنوعها. إن مجتمع الإمارات استطاع أن يخلق بين أفراده نوعا من الفكر لا يمكن أن تجده الا هنا، نوعا من الفكر المنفتح على ثقافة الآخر وأنماط عيشه وتقبل فكر الآخر وثقافته. ويمكن أن يكون هذا الفكر هو احد اسباب نجاح التجربة الإماراتية. فبالإضافة الى التخطيط الجيد والتفكير المستقبلي الجاد والرؤية الطموحة يأتي الفكر الاماراتي المنفتح ليميز الإمارات عن غيرها ويجعل من التجربة الإماراتية قصة نجاح عجيبة.