ثمة أدباء استطاعوا تحبيب الناس بالمكتبة. من بين هؤلاء بورخيس، وألبرتو مانغويل، وآخرهم الراحل أمبرتو إيكو. يكتبون عن جسد المكتبة، كما يتغزلون بحبيبة سلبت الألباب! يتضح ذلك جليا في الكتاب الحواري بين بورخيس وألبرتومانغويل المهم «مع بورخيس». وفكرة الكتاب تقوم على قصة حدثت في عاصمة الأرجنتين، بوينس آيرس في العام 1964، عندما يقترب رجل أعمى من موظف مكتبة في السادسة عشرة من عمره، ويسأله، إن كان يهتم بالعمل بدوام جزئي قارئا بصوت مرتفع! كان الكاتب هو بورخيس، أحد أهم العقول الأدبية وأكثرها رهافة في العالم، وكانا الصبي البرتو مانغويل، الذي أصبح بعد ذلك، محبا للكتاب، ثم مؤلفا، حتى ألف كتابه المهم، عالميا؛ «تاريخ القراءة». بقي مانغويل الشاب يقرأ بصوت جهوري للعالم الكفيف، ويدون ملاحظاته، حتى خرج بهذا الكتاب «مع بورخيس». الراحل، إيكو أدمن الأحبار والأقلام والكتب، ولهث بقدميه عاشقا للمكتبات والمتاحف، وكان مهووسا بطريقة رواياته، من «الوردة»، إلى «بندول فوكو»، وحتى التحفة المدهشة «مقبرة براغ». إيكو، قبل أشهر من وفاته، سئل عن وسائل التواصل الاجتماعي فاعتبر أنها تمنح حق الكلام في كل شأن لفيالق من الحمقى! ثم ختم كلامه بالقول: إنها غزوة البلهاء.. إنها غزوة البلهاء! فقدت البشرية أحد أهم كتابها وفلاسفتها، عشق المكتبة، وأخلص لشخصيات رواياته فصبها بإبداع باهر قل مثيله.