الإرهاب يضرب مدن العراق طولاً وعرضاً وفي أشكال متعددة، سيارات مفخخة وعبوات لاصقة وكواتم صوت وجرائم تحصد أرواح عشرات المواطنين يومياً، تنفذها ميليشيات وعصابات متنفذة ومجموعات إرهابية من «القاعدة» وغيرها، تسرح وتمرح بحرية تامة في كل المدن. وتشهد السجون العراقية وفي شكل متكرر هروب عتاة المجرمين. وما زال إرهاب الدولة وخرق مبادئ حقوق الإنسان مستمرَّين من خلال حملات الاعتقال والضغط على الصحافيين والتعامل في كثير من الأحيان مع المواطن على أساس طائفي أو مناطقي، وانتزاع الاعترافات بالقوة من بعض المعتقلين ليحاكم الكثيرون من المواطنين على جرائم لم يرتكبوها، ما سبب تراجع وضع العراق في مجال حقوق الإنسان في شكل كبير جداً، وأصبحت المحاكم والهيئات الدولية لا تعتد بأحكام القضاء العراقي، وزادت دعوات المجتمع الدولي إلى إيقاف حملات الإعدام التي تنفذ في هذا البلد المنهوب. مئات نقاط التفتيش تقطع أوصال المدينة الواحدة، ومنع التجوال ما زال سارياً منذ أكثر من عشر سنوات في معظم أنحاء العراق. المياه تغمر مساحات واسعة من المدن العراقية بسبب هطول أمطار غير معهودة، خصوصاً في العاصمة بغداد. العراق في مقدم الدول الأكثر فساداً، وبغداد مدينة السلام هي مدينة تنعدم فيها النظافة... مئات البلايين صرفت على مشاريع لا أثر لها في الواقع. هذا كله وغيره الكثير سبب موجات من التظاهرات والاعتصامات التي منعت الحكومة الكثير منها، ومعارضة شديدة وانتقادات ضد الحكومة الفاشلة في مهامها والعاجزة عن تقديم أبسط الخدمات للمواطن الذي يعاني الفقر والبطالة وضنك العيش في وقت اقتربت الدورة الانتخابية النيابية الثالثة والتي يتمنى المواطن العراقي أن يختار الشعب من يمثله ويلبي طموحاته في تحقيق الأمن والسلام والرفاهية وإبعاد الفاسدين والقتلة ومعاقبة الذين تسببوا في إيصال العراق إلى ما وصل اليه. استبشر المواطن خيراً بتطبيق النظام الانتخابي الجديد وطريقة فرز الأصوات، واعتقــــدنا بأن هذا النظام سيسمح للكثير من الكيــــانات السياسية الصغيرة باختيار من يمثلـــها في مجلس النواب الجديد وسيحد من سيطــــرة الأحزاب والكيانات الكبــــيرة على قرارات هذا المجلس. واعتقد الشعــــب بأن نسبة كبيرة من هؤلاء السياسيين ستُركل ويحل محلها من يتوسم فيهم الأمانة والنــــزاهة، وساد جو عام من التصميم من جانــــب أبناء الشعب المضطهد والمتضرر من هؤلاء السياسيين على المشاركة الواسعة في الانتخابات وكثرة الدعوات الموجهة إلى عموم الشعب للزحف إلى صناديق الانتخابات وتحقيق التغيير المنشود. وفي محاولة جديدة لتظليل الشعب واستغفاله للحفاظ على مناصبهم واستمرارهم في نهب أموال العراق، أقدم كثيرون من أعضاء مجلس النواب على تشكيل أحزاب جديدة ليستطيعوا من خلالها أن يجمعوا أصواتاً كثيرة تؤهلهم للحفاظ على عضويتهم في المجــلس. فعــلى سبيل المثل، إن كل حزب من هذه الأحزاب سيشترك في الانتخابات بعشرات المرشحين، وبالتأكيد فإن هؤلاء سيحصلون على أصوات قد تكون قليلة أو كثيرة تضاف إلى ما حصل عليه النائب من أصوات تزيد من فرصة بقائه عضواً في المجلس الجديد، وبهذه الطريقة فإن الكثير منهم سيحتفظ بعضويته من طريق شراء الذمم واستغفال الشعب، مرشحين كانوا أم ناخبين، ويبقى الوضع على ما هو عليه. وحسب المثل الشعبي «تيتي تيتي مثل ما رحتِ جيتِ». واستناداً إلى هذه الرؤية، فإن فشل شعبنا في تحقيق التغيير سيؤدي إلى الفراق وتقســيم العراق لا محالة، لأن استمرار الحكومـــة لدورة مقبلة يؤدي إلى عدم تلبيتهـــا طلبات المتظاهرين في المحافظات، بل سيـــزداد الضغط عليها ما سيدفعها إلى المطالبــــة بتشكيل الأقاليم، وهذه هي الخـــطــوة الأساسية للتقسيم. وإذا أدرك الشعب هذه اللعبة وامتنع عن منح صوته لمثل هذه الكيانات، فإن طريق عودتها إلى المجلس ستغلق ويفتح المجال أمام عناصر جديدة يعتقد بأن اختيارهم جاء بمقاييس وطنية تعمل على إصلاح ما أفسده الفاسدون. إذاً، الكرة الآن بيد الناخب العراقي، فإن أراد مصلحته ومصلحة وطنه وشعبه فإنـــه سيتجه إلى العناصر التي يتوسم فيها خلاص البلاد والعباد وإنقاذهم من المحن المتواصلة منذ عشر سنوات عجاف ولا يزال يعيشها، وبهذا سيتحقق العيش الكريم لهذا الشعب ويعم الأمن والآمان ربوع وطننا كافة ويستمر العناق بين كل طوائف شعبنا، وتزداد وتيرته. أما إذا كان اختياره على أساس المذهب أو الطائفة والمحسوبية والمنسوبية، فإن الوضع سيبقى على ما هو عليه وستزداد المأساة ويتحقق الفراق لا محالة.