ما زالت تصرُّ بعض الوزارات الحكومية إصراراً عجيباً على العمل بالتكليف المباشر لبعض شركات المقاولات العملاقة لتنفيذ مشاريعها، رغم اعتراضات وزارة المالية المعلنة على إرساء المشاريع بتلك الطريقة، التي اتضح - وبكل أسف - أنها تحمل الكثير من النفقات المبالغ فيها المصروفة على تلك المشاريع، بأسعار غير منطقية، وبمواصفات تختلف عما هو موضَّح بمحاضر الاستلام. حدَّثني أحد العاملين بتلك الشركات أن بعض المشاريع الحكومية يتم ترسيتها بالتكليف المباشر لهم، ودون إجراء عملية مناقصة وإعلانها، وتُمنح الشركة فائدة بواقع 20 % عن التكاليف الفعلية للمشروع، ويتم اللجوء إلى الأمر بالتكليف المباشر بعد أن توجِد الوزارة المعنية مبررات عدة لترسية المشروع بتلك الطريقة. وبعد أن يصدر التكليف من الوزارة إلى الشركة تقوم الشركة ببيع المشروع إلى مقاولين بالباطن مجزًّأ، ويبدأ العبث في الفواتير ومحاضر الاستلام، ويمارَس الفساد الإداري والأخلاقي بصوره كافة، فمن تزوير الفواتير، إلى إعداد محاضر استلام لمشاريع تفتقد الجودة، إلى بيع لفائض المواد الموردة... إلخ. وذكر لي على سبيل المثال أن لوحات فنية جمالية مثلاً للمشروع، قيمتها لا تتجاوز مائة ريال، يتم توريدها بسعر لا يقل عن ألف ريال، ويتم احتسابها على الدولة بذلك السعر أو يزيد، وقس على ذلك. ويتقاسم الفاسدون المغانم، وتشغل الوزارة الآلة الإعلامية لعلاقاتها العامة بالمنجز الملياري، حتى إذا مضت بضعة أشهر بانت سوءة أهل الفساد، وأُسندت عمليات إعادة تأهيل للموقع، تستنزف أمولاً أخرى، وبمواصفات وتنفيذ أقل من المتواضع..! إن هدر الأموال العامة بتلك الطرق لأمر تجرِّمه نظم الدولة، ولا يقرُّه مسؤول صاحب أمانة؛ وحرى بموظفي بعض الوزارات الذين يتورطون في ممارسات كهذه أن يخشوا الله فيما ائتُمنوا عليه من أموال أُعطيت لهم صلاحيات صرفها على مشاريع خدماتية، يحتاج إليها المواطن، وتؤكد الدولة حق المواطن فيها، وأن يدركوا أن العبث في المشاريع بهذه الطريقة جريمة في حق وطنهم ومجتمعهم؛ وأن العقاب سيطولهم لا محالة، عاجلاً أم آجلاً.