تحدثتُ في مقالي السابق حول أهمية تطوير المناهج الدينية في المدارس، بما يضمن تقديمها بأسلوب مبتكر وشيّق ومقنع، بعيداً عن التلقين المجرد من الفَهم والاستيعاب والتأمل. كما أشرتُ إلى أن المجتمع يتطلع من القائد الجديد لوزارة التربية والتعليم أن يسعى لتخريج جيل واعٍ ومنتج، يمتلك المهارات الحياتية، وفق قيمه ومبادئه، التي تجعله قادراً على التعايش مع تحديات الحياة ومؤثراتها بوسطية وفطنة، أو كما في المثل الصيني (علمني كيف أصطاد ولا تعطني سمكة)!! وأواصل في هذا المقال الثاني النقاش حول مناهج علوم الحاسب الآلي وتعليمها في المدارس. وهذه كارثة تعليمية في مدارسنا بكل المقاييس!! نعم كارثة؛ لأن هناك خللاً فادحاً في تعليم تلك المناهج المهمة، التي أصبحت لغة العصر وأحد متطلباته الرئيسة لتطوير التعليم؛ إذ نجد خريجي مدارس التعليم العام بمراحله كافة، في بلد النفط، يتقافزون في الفصل الواحد على بضعة أجهزة للتعلُّم!! ويتخرجون وهم لا يفقهون الكثير من أبجديات تلك المقررات، وإن علموها فهي حبر على ورق، دون تطبيق عملي!! إنه من غير المقبول أن نجد خرّيجي مدارسنا غير قادرين على مهارات تُعد من الحدود الدنيا لأساسيات أي منهج في الحاسب الآلي، كالكتابة على لوحة المفاتيح، أو استخدام برامج كمعالج الكلمات (الوورد)، ومهارات البحث عبر الإنترنت!! هذا عوضاً عن القصور الشديد في تعليمهم مهارات الاستخدام الرشيد والآمن لتلك الأجهزة. وهنا نتطلع من الأمير خالد الفيصل أن يضع حدًّا لهذا الخلل الاستراتيجي في مسيرة التعليم بالسعودية، وأن يكون أحد أهم جوانب تطوير التعليم تخريج جيل ملم وقادر على استخدام أجهزة الحاسب وتطبيقاته بدراية وكفاءة. أما الحديث حول مناهج اللغة العربية فهو حديث ذو شجون؛ فاللغة العربية في المرحلة الابتدائية اختُزلت بشكل واضح في منهج لغتي، وأُهمل جانب المهارات الكتابية والإملائية، وخصوصاً في المراحل الأولى من الابتدائي، وهي المشكلة الأزلية في التعليم العام!! كما لا يزال الإخراج الفني للكتب دون المستوى المطلوب؛ وبحاجة لتطوير جذري. أما اللغة الإنجليزية فحدِّث ولا حرج. وأتحدث هنا أيضاً عن المرحلة الابتدائية تحديداً؛ فهناك قصور شديد في المدرّسين والمدرّسات، وضَعف في مهارات التدريس لديهم. وفي المقابل، أعتقد أن مقررات اللغة الإنجليزية أُعدت بعناية فائقة مقارنة بمنهج لغتي، ويمكن لأي متخصص في هذا الجانب أن يميّز الفرق الشاسع بين مستوى الإعداد في كلا المنهجين، فما السّرُّ في ذلك؟!! أما مناهج العلوم والرياضيات في المرحلة الابتدائية، المستقاة من أحد المناهج الغربية، فهي وإن كان وضعها أفضل بكثير من سابقها، وتحتوي على مفردات ومفاهيم اختيرت بعناية، إلا أن تطبيقها بالصورة التي نجدها في مدارسنا يشوبه العديد من التحديات، ليس أقلها أن تلك المناهج تُدرس في بعض الدول الغربية على اعتبار أن الطالب الذي يدرس في الصف الأول من المرحلة الابتدائية قد مر بمرحلتَي الروضة والتمهيدي الإلزاميتين لديهم؛ ومن ثم فالطالب يدرس تلك المناهج بعد امتلاكه حصيلة من المعارف والمهارات، تساعده على فهمها واستيعابها بسهولة. وربما فات القائمين على ترجمة وتعريب تلك المناهج هذه الجزئية؛ ولهذا نجد أن الطفل لدينا يُوَاجَهُ بكم كبير من المعلومات في تلك المناهج؛ على اعتبار أن لديه سابق معرفة وعلم!! وهو خلل يحتاج إلى مراجعة متأنية لتلك المناهج، وإعادة صياغتها وفق الخصائص المعرفية لأطفالنا. قبل أن أنهي هذا المقال اقترح على الأمير الوزير الأديب أن يضع في الحسبان أهمية إشراك المجتمع في مراجعة المناهج والمقررات الدراسية، وإبداء رأيه فيها، من خلال ما يسمى جلسات الاستماع للمجتمع (Public Hearings)، وكذلك من خلال الاستطلاعات، وهو ما يُعمل به في الدول الغربية إيماناً منهم بأهمية الإنصات لصوت المجتمع، ودوره في صياغة المناهج، وتشكيل هوية الجيل.