تعاني الكثير من المسنات المقعدات جفوة فلذات الأكباد بعد ما أحرقن سنين العمر في رعايتهم حتى حصلوا على أعلى الشهادات والمناصب واختيار العرائس لهم وتزويجهم وبعد كل هذه التضحيات يكافأن بالنكران ما قصم ظهورهن. الخالة (زكية . ح) تعاني من هجران ابنها الوحيد منذ 8 سنوات تروي قصتها قائلة: عاقبني ولدي بالهجر طوال تلك السنوات بعد تعبي عليه وتعليمه وحصوله على أعلى الوظائف وبعد أن اخترت له عروسه هجرني لا لسبب واضح سوى أنني جعلت المنزل الذي ورثته عن والدي وقفا لوجه الله من بعدي حتى يكون أجره لوالدي كصدقة جارية وبتحريض من زوجته تركني وإخوته البنات نصارع الحياة من أجل العيش فهو الذكر الوحيد الذي نعتمد عليه بعد الله ولا أدري شيئا عن أخباره وما إن أنجب أحفادا أم لا؟ فأنا مريضة وبحاجة له وأخواته بنات يحتجنه وفيما لو جاء أحد لخطبتهن فمن سيقابله ويعقد له فهو الولي الوحيد لهن وأنا أمه بحاجة له أكثر من الجميع ومن كثرة تفكيري فيه لا أنام الليل ولا أعلم هل هو في المدينة أم خارجها فلا توجد أي صلة لي به ولكنهن الزوجات وما أدراكم ما الزوجات فمنهن الزوجة الصالحة التي تحن على أم الزوج وتكون خير عون بل تعتبرها في مقام والدتها ومنهن الزوجة التي تأخذه عن أمه وأهله، ومع ذلك لا أملك إلا أن أقول: «اللهم اهد ولدي إلى الصواب وأرجعه لقلب أمه الصابرة التي هي في انتظاره». المال والعقوق وللخالة الستينية «أم عبدالرحمن» قصة أخرى تجسد العقوق في أبشع صوره فقد هجرها الأولاد وتركوها تصارع المرض دون أن يسألوا عنها أو يتفقدوا أحوالها سوى في الأعياد والمناسبات. تروي الخالة «أم عبد الرحمن» لدي ولدان وبنت، الولدان يعملان بالتجارة أحدهما في منطقة جازان والآخر في النماص وابنتي في القصيم مع زوجها وأنا هنا وحيدة لا أعرف عن أخبارهم شيئا ولا يوجد من يرعاني، إنه المال الذي أخذ أولادي مني وجعلهم يفكرون في جمعه أكثر من الاطمئنان علي فلم يوفروا لي سوى خادمة وزوجها كسائق يجولان بي أرجاء المدينة، لقد تعبت نفسيا من فقدهما ولا يريدان أن يأخذاني معهما بسبب تسلط الزوجات عليهم وانشغالهم بجمع المال وأمور الحياة فأصبح الغرباء أقرب لي من فلذات كبدي. العقوق أفظع الجرائم الى ذلك تعلق الأخصائية الاجتماعية إيمان هادي ان عقوق الوالدين من أفظع الجرائم التي لا يقبلها قلب مسلم ولا عقله ففي قصة «الخالة زكية» دليل على سيطرة الزوجة على عقل الزوج من أجل أمور دنيوية وأملاك خاصة تخص الأم وهي من لها الحق في التصرف فيها حقوقيا. وفي حكاية أم عبدالرحمن، الكثير من الألم حيث إن الأبناء يفضلون جمع المال على الاطمئنان على والدتهم وتركها في أيدي الغرباء وهي كبيرة في السن تحتاج لهم أكثر من الخادمة والسائق فالمال ليس عوضا عن رضا والدتهم فهي طريقهم الى الجنة وبدونها لا تسعد قلوبهم بتلك الأموال مهما كان حجمها. أمر شاذ من جانبها تؤكد الداعية غادة إدريس أن عقوق الوالدين أمر شاذ على مجتمعنا، حيث كثر العقوق بشتى صوره وهذا من عجائب الزمن فتارة نسمع بولد قتل والده أو ضرب أمه والأهون منهما الهجر فهو موت بطيء لهما، مشددة على ان الإحسان للوالدين أمر لازم في ديننا فلم نكن على وجه الأرض إلا بفضلهما فهما من تعبا وسهرا الليالي علينا في المرض ووقفا بجانبنا لكي ننجح في تعليمنا ونتفوق ونتسنم أعلى المناصب.. فهل جزاؤهما النكران؟ بل إن الله سيوفي لنا ما عملناه لهم بالدنيا قبل الآخرة وكل تصرف شائن صدر منا بحقهما سنراه مستقبلا من أبنائنا «فالجزاء من جنس العمل» والله في كتابه الكريم أوصانا بهم «ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا». وفي ذات السياق تضيف المستشارة النفسية هدى القايدي أن الله قد من علينا بأن رزقنا بوالدين فالكثير لا يملكون تلك النعمة ويتمنون لو أن والديهم على قيد الحياة فمن نعم الله على المسلم وجودهما في هذه الحياة حيث الأجر والخير، فهما من عانا في تربيتنا وتهذيب أخلاقنا وتعليمنا والسهر علينا في حال المرض وعند الكبر يحتاجان منا البر والإحسان بهما جزاء على ما عملاها لنا، لافتة الى ان للهجر تأثيرا نفسيا قويا عليهما فقد يتصور لهما جراء رفض الأبناء لهما في هذه الحياة أنه لم يعد لهما وجود في هذه الحياة فتتراكم الأفكار السلبية عليهما ويتفشى المرض وقد يغلب على كبار السن في هذه الحال انتشار الخرف والأمراض العقلية نتيجة رفض الأبناء وهجرهم لأنهم يشعرون بأنهم عالة عليهم، وهذا من أبشع صور العقوق وأخطرها فديننا دين تسامح وخير ومغفرة ومودة ويحث على برهما والتحلي بالأخلاق الإسلامية السامية ونفي ما سواها من أخلاق شاذة ودخيلة علينا فما نزرعه في أبنائنا في سن الصغر سنجنيه في الكبر والخير تبدأ بذوره من الجذور.