×
محافظة الحدود الشمالية

بالصور.. مواطن يحوِّل جزءاً من منزله إلى متحف أثري بـ"رفحاء"

صورة الخبر

«نلتقي كإخوة وليس كمتنافسين». هكذا صرح فرنسيس «أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية»، وكيريل «بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية لموسكو وعموم روسيا» معاً (وفق تواقيعهما). وقد حضّرا على مدى أشهر، ولكن بسرية تامة، لهذا اللقاء وللوثيقة التي صدرت عنه. سبق أن فشلت هذه «المصالحة» في السنوات الماضية، إذ حصلت محاولات في شأنها بعد المجمع الفاتيكاني الثاني في الستينات. فالأمر لا يتعلق بالنوايا والعقليات فحسب، ولا حتى بحاجة المبادرات الكبرى إلى زمن للنضوج، وإنما بالظرف العام السياسي الذي لم يكن ملائماً حينذاك، في عز الحرب الباردة، ولا بعدها بينما كان الاتحاد السوفياتي ينهار وتنتقل بلدان من معسكره إلى العداء السافر لروسيا والى اللحاق بالغرب. وكانت الاتهامات للبابا السابق يوحنا بولس الثاني، البولوني الأصل (1978-2005)، بتشجيع هذا الاتجاه بل العمل من أجله، تَحول دون اللقاء، كما أن خلفه بنوا السادس عشر كان صاحب رؤية صارمة ومحافظة، ساعياً إلى اتباع إرث سلفه. من جهة أخرى، فالكنيسة الأرثوذكسية الروسية لم تكن استعادت عزها بعد، ولم يكن البطريرك الحالي، الذي يشتهر بانفتاحه، قد انتخب (حدث ذلك في 2009)، ولم يكن تحقَّق التقارب القوي بين هذه الكنيسة والسلطة الروسية، ممثلة برأسها فلاديمير بوتين، ولم يكن تبلور بالقوة القائمة حالياً هاجس استعادة «عظمة روسيا» كأمة كبرى وتاريخية كما بات يتردد في خطب الكنيسة والسلطة السياسية، في تلازم وتعاضد للأدوار بينهما خدمة لهذا الشأن، وفي تنسيق عملي لا يفوّت فرصة من دون تأكيد نفسه. ولم تكن كوبا تصالحت بعد مع الولايات المتحدة. حان إذاً الوقت اليوم. وها إن فرنسيس، البابا الأرجنتيني، المتحرر من ثقل تقاليد أوروبا ونزاعاتها، والمطل على عوالم وهموم أخرى مختلفة جذرياً، والمهجوس بتوفير رؤية إيمانية حداثية مطابقة لهموم العصر، والمجدِّد...، لا يكل عن إحداث تغييرات في كنيسته، بينما رسخ تماماً دور كيريل الذي غالباً ما يترافق مع بوتين في مناسبات عامة في البلاد، ويتولى مباركة معمل طائرات «سوخوي» من بين أشياء أخرى، بينما يُشاهَد كهنته يتولون رعاية فرق القوات العسكرية الروسية قبل تحركها إلى أي مكان. عمر القطيعة بين الكنيستين ألف عام. وأما الانشقاق (الانشقاقات) والتفرّعات فملازمة للنشوء أو يكاد، كما الحال في كل الأديان. فالمسيحية لا تقتصر على هاتين الكنيستين، على رغم أهميتهما المركزية. هناك كنائس أرثوذكسية أخرى كبيرة (مقرها القسطنطينية أو اسطنبول الحالية، ويرأسها بطريرك خاص بها، وتلك اليونانية...) وفوق ذلك كنائس أخرى انشقت عنها وصار اسمها إغريقية - كاثوليكية لالتحاقها بروما (يستعر النزاع في شأنها في أوكرانيا حيث لها حضور قوي، وأشارت إليه الوثيقة ذاتها)، وكنائس شرقية بعضها سحيق في القدم وبعضها يتبع روما بينما الآخر «مستقل»، كما هناك طبعاً الكنيسة الغربية «المُصْلَحة» بفروعها البروتستانتية والأنغليكانية والإنجيلية... هذا إن لم نتكلم عن الانشقاقات الصغيرة والاجتهادات التي بقيت محصورة في أماكن، وصولاً الى «الطوائف» المغلقة (sects)... ما يعني اتساع هذا العالم. وبين بعض هذه الكنائس لم يقف الأمر عند القطيعة والتنازع على التبشير وكسب الأتباع من الآخر، بل اندلعت أحياناً حروب دموية كبرى، طويلة أو قصيرة. وفي كل الأحوال، شابت علاقاتها توترات شديدة وخلافات عقيدية حادة. هذا ما تشير اليه الوثيقة التي وُقِّعت في مطار هافانا برعاية راوول كاسترو وحضوره إثر ساعتين من الخلوة بين الزعيمين الروحيين. ففي بندها الخامس (تتضمن 30 بنداً قيل أنها موزونة بدقة) إقرار صريح بوجود «جراح انقسامات تسببت بها صراعات تنتمي إلى زمن سحيق أو قريب، واختلافات موروثة عن الأسلاف تتعلق بفهم وتفسير الإيمان بالله»، وهو ما يعود البند السابع فيشير إلى الإصرار على تجاوزه. ولكن، قبل ذلك كله، تستهل الوثيقة بنودها بإعلان «الفرح» بهذا اللقاء، ثم تشير في ثاني بنودها إلى خصوصية كوبا الواقعة على تقاطع طرق الشرق والغرب والجنوب والشمال. لكن اختيار الجزيرة لم يقتصر على ميزات تحررها ذاك من الصفات المحدِّدة، بل أيضاً لأنها «ترمز الى آمال العالم الجديد كما الى الأحداث الدرامية للقرن العشرين»، وهو ما استعاده البند الثالث الذي ركز على الابتعاد عن «النزاعات السالفة للعالم القديم». وسرعان ما يحضر مسيحيو الشرق وهم «الأصل والمنبع»، ومعاناتهم والخطر الذي يهدد وجودهم في ظل النزاعات القائمة، حيث توجه الوثيقة «نداء إلى المجتمع الدولي للقيام بخطوات عاجلة للحيلولة دون إفراغ الشرق الأوسط من مسيحييه» تحديداً في سورية والعراق، حيث تدعو إلى مواجهة العنف والإرهاب والى «إعلاء الحوار الذي وحده يمكن أن يؤدي إلى السلم الأهلي». وفي مكان آخر تؤكد الوثيقة أن «الاختلافات في فهم الحقائق الدينية لا ينبغي لها منع المؤمنين من مختلف العقائد من العيش بسلام ووئام». والنص بقي فعلاً «أرضياً» في هواجسه كما في أهدافه، ولم يحلّق في فضاء اللاهوت إلا استنفاراً لقدرة الروحانيات على دعم تلك الأهداف، لكنّ لهجته تصبح أكثر سياسية حين يشير إلى «الظروف الحالية»، ومنها مثلاً «استحالة اللامبالاة حيال مصير ملايين المهاجرين واللاجئين الذين يطرقون أبواب البلدان الغنية». كما يعلن أن الكنائس مدعوة للدفاع عن العدالة وعن احترام تقاليد الشعوب. ولا تخلو الوثيقة من المواقف التي تخص الصراع على مفاهيم العائلة والزواج ومسائل الإجهاض و «ما يقال له القتل الرحيم» الخ... فهي مطابقة للمعتقد الديني، أي للمفاهيم والأسس التي تقوم عليها الأديان، لكن المفردات المستخدمة في المعارضة وحتى في الإدانة أو التحريم، ونبراتها، لها هي الأخرى دلالاتها المعبرة. فالوصول إلى تصالح وتوافق بعد صراعات طاحنة وأنهار من الدماء وقرون من القطيعة والمشاجرات، وجبال من الخلافات، العقيدية والمصلحية الخ... أمر ممكن إذاً؟ فما العبرة من ذلك؟