×
محافظة المنطقة الشرقية

انتخابات الفيفا: بلاتر يخرج من الباب الضيق.. وبلاتيني الخاسر الأكبر

صورة الخبر

ولدت في مدينة كانت صغيرة ولكنها كبيرة بمشاعر أهلها.. وعواطف أفرادها.. مدينة بحرية مفتوحة على الآخر.. تتقبله بحب وصدق.. وتتعاطف معه.. وتشعره بالأمان المكاني والإنساني والاجتماعي.. مدينة حدودها الجنوبية مفتوحة للقادمين بحثاً عن لقمة العيش وهرباً من شظف الحياة في بلدانهم.. بعضهم كان نظامياً وبعضهم ليس كذلك ولكن أهل المدينة الطيبين دأبوا على تقبلهم وفتح أبواب الحياة والعيش لهم.. مدينة يعرف أهلها بعضهم البعض .. وترتبط أغلب العوائل بترابط قرابة مع بعضها البعض.. وحارات متقاربة ومتشابهة في سلوكيات أهلها.. سواء من يمتهنون الصيد أو غيره من مهن التجارة والعمل الحكومي..! هذه المدينة التي كانت صغيرة وأصبحت كبيرة وممتدة أفقياً وعمودياً ومتسعة واختلف ساكنوها مثلها مثل كل المدن الأخرى من خلال الهجرة من المدن والبحث عن فرص عمل والاستيطان فيها خاصة بعد فتح الجامعة والمولات.. واتساع الطرق وحركة العمران المتواصلة كانت تتميز بعلاقاتها الاجتماعية الوطيدة والعميقة .. وذلك التواصل الإنساني بين الجيران والذي كان يشكّل وجه المدينة.. وروحها.. وفصولها مجتمعة.. لم تكن هناك حواجز تفصل حركة التواصل والزيارات.. ولم تكن مقننة.. أو مبرمجة.. لأنها عفوية وخارج نطاق التنظيم..! فمثلا ًفي حالات العزاء.. ولمجرد وفاة شخص ما وفي ثوان يتجمع الجيران وسكان الحارات القريبة وحتى البعيدة .. في منزل المتوفى ولا يهم الوقت الذي توفي فيه.. سواء أكان ليلا ً أم نهاراً.. ويظل هؤلاء يواصلون تجمعهم في منزل المتوفى لشهور، أيام كان من يتوفى له شخص يظل حبيس منزله لسنة كاملة لايغادره ولايشعر بالضيق خاصة وأنّ الناس لاينقطعون عنه .. يستمرون في مواساته ورفع روحه المعنوية.. وقبلها في المرض يتوافد الناس لشهور لزيارة المريض وأيضاً لمواساة أهله والبقاء بجانبهم.. وقد يتطلب ذلك الذهاب كل ليلة إليهم .. الطريف أنّ تلك الزيارات تبدأ من بعد أذان العصر مباشرة وتنتهي بعد العشاء أو العاشرة مساءً إذا كان أهل المريض يمتّون لهم بصلة قرابة أو جيران لهم.. ! وبالنسبة للحريم الكبار كانت زياراتهن تبدأ بعد أن أداء صلاة العصر.. أتذكر جدتي وعباءتها بجانبها وعقب الصلاة تخرج للزيارات .. تذهب لبيت عزاء ومنه لزيارة مريض.. وبعده لزيارة أحد غريب حضر من جدة أو الرياض أو مدينة أخرى..! الغريب هذه الكلمة التي تدفقت في المقال وهي خارج السياق كانت تطلق على الشخص أو الأشخاص الذين يحضرون للزيارة إلى المدينة أو للاستيطان.. فتجد الجيران يتهيأون عصراً لزيارة جارة لديها غريبة .. والمقصود أختها أو أمها أو إحدى قريباتها حضرت من مدينة أخرى لقضاء الإجازة الصيفية لديها.. يتحدث الشخص نفس اللهجة لأنه قد يكون من جازان ولكنه ارتحل إلى مدينة أخرى بالزواج أو هجرة العمل وعاد مرة أخرى لكن الناس يسمونه غريبا طالما هو ليس من نفس المدينة.. ومتعة هذا الغريب أنه يقضي إجازته مستمتعا بالعزايم التي تُدعى له من الجيران إحداهم غذاء والآخر عشاء وقد لاتجد لديه يوما فارغا لتوفي العزائم.. وهذا يتم للغريبة والغريب على حد سواء.. فالكل يقدم ما هو فوق استطاعته لهذا الغريب، وهو مسمى يحتاج للتوقف عنده.. يغادر الغريب نهاية الإجازة فيبكي الجيران ويتجمعون لتوديعه، وتذكّر الأيام الجميلة التي عاشوها معه..! وفي الأفراح يعسكر الأحباب والجيران والمعارف في بيت الفرح لأكثر من شهر تبدأ بليلة "الزعقاء" وهي الفصفص.. حيث تقام لها ليلة تحمص فيها وبعدها ليال وأيام تنتهي بعقد بليلة عقد القران وليلة تنشير الملابس والدخلة وثاني ليلة والتخييلة.. وبعدها لشهور تظل العروس في بيت أهلها وتتنقل من بيت لبيت كل ليلة لمد رجلها والمقصود هو عزيمتها ممن يعرفونها في منازلهم ويدعون الأصدقاء لذلك وتمد رجلها عندما تدخل منزلهم ليرشوها بالكولونيا أو العطر.. وتظل العروس عروساً لشهور طويلة ومن ثم تنتقل إلى منزل زوجها في ليلة حزينة تبكي والعالم يبكون معها..! انتهت هذه المراسم منذ أكثر من ثلاثين عاماً وانتهت حقبة جميلة من تلك الحياة البريئة والتي لاحساب للوقت لديها، ولاتوقف أمام الزمن الراكض.. انتهت تلك الزيارات وإن تبقت ولكن تغلفت بالرسمية وتعلقت بالوقت وتداخل المدن في بعضها باعتبار العالم كله أصبح قرية كبيرة.. لم تعد الزيارات مفتوحة على مصراعيها ولم يعد الناس يتوافدون للبقاء من الصباح للليل .. فكل شخص أصبح مرتبطاً بأشياء أخرى لعل ابسطها جهاز الجوال لديه.. وارتباطات متعددة أخذت الناس من الناس.. وأصبحت هي الحياة الأخرى.. التي ترغمهم على السكن داخلها..! نلتقي من نحبهم في مناسبات متعددة ولكن كلٌ منّا مرتبط بما لديه نسرق من الزمن لحظات لنعيش داخلها معهم .. ودائماً أطلب ممن أحبهم وبالذات صديقات العمر عندما نلتقي بعد غياب أن نتفق على عدم استخدام أجهزة التقنية في هذا الزمن الذي نختبئ به هرباً من ضغوطنا ومما تفيض به الحياة علينا من أوجاع وآلام وبعد .. وانشغال.. نستمتع كرفقاء.. ويطوي كلٌ منّا تلك اللحظات ويغادر لمداه الذي يستوطنه..! najwahashem@live.com