تُعد القرية العالمية التي تحتفل في دورة العام الجاري بمرور 20 موسماً على انطلاقتها، بمثابة متحف مفتوح، ليس فقط للفنانين لعرض إبداعاتهم، ولكن للضيوف كذلك، الذين تتاح لهم الفرصة لمشاهدة طرق تكوين وتشكيل هذه الإبداعات على أياد محترفة هوت الفن وجعلت منه حرفتها المعيشية. وتتنوع الفنون اليدوية التي تستضيفها القرية العالمية في موسمها الـ20، غير أن ما يجمع بينها أنها مثلت إضافة مهمة عكست المفهوم الفريد الذي قامت عليه فكرة القرية العالمية التي تجمع العالم بكل جوانبه في مكان واحد. فخارج بوابات جناح لبنان، يستعرض أحمد سكر الذي شارك في فعاليات القرية العالمية على مدى 10 سنوات، إبداعاته في الحفر على خشب الأرز، وهو العمل اليدوي الذي يجذب أنظار زوار وضيوف القرية العالمية، ليتوقفوا للتعرف إلى الطريقة التي يخرج بها أحمد الفن المخبوء في قطع الخشب الصماء. الساماور الأفغاني خارج جناح أفغانستان، يحترف الأفغاني غلام محمد واحدة من أصعب الحرف الفنية اليدوية، إذ يقوم بدأب وصبر بالحفر على الأواني النحاسية العنيدة، مانحاً إياها الحياة بأبيات شعر أو أمثال شعبية عربية وأفغانية. ويتخذ غلام وضعيته في العمل فوق عربة خشبية، منهمكاً في الإمساك بإزميل الحفر في تحدي لصلابة النحاس، ليبث الحيوية في قطع الساماور الأفغانية المخصصة لتقديم الماء والشاي والقهوة، ويستعرض غلام حرفيته في الحفر على النحاس فقط من دون عرض أعماله للبيع. ويقول غلام: تحتاج الآنية الصغيرة للعمل ثماني ساعات يومياً ولمدة أربعة أيام لإكمالها، ويصل سعر هذه الآنية في أفغانستان إلى نحو 300 درهم. ويقول أحمد: أقوم بحفر أشكال فنية كثيرة على قطع خشب الأرز مختلفة الأحجام، من أسماك، وحيوانات، وطيور، ومناظر طبيعية أو رسومات تعبيرية، غير أن أغلب الضيوف يطلبون حفر أسمائهم أو أسماء من يحبون لإهدائها إليهم. ويضيف أن منحوتاته تتخذ بعد اكتمالها شكل علاقات المفاتيح، أو اللافتات التي يتم وضعها على أبواب المنازل أو الشركات أو على المكاتب للتعريف عن أصحابها، مشيراً إلى أن القطعة الصغيرة المنحوتة من خشب الأرز تباع بنحو 35 درهماً، فيما يصل سعر أكبر قطعة يعرضها على طاولته الصغيرة إلى 200 درهم. ومن الحفر على الخشب إلى تشكيل الخزف الذي يتخصص فيه الأخوان المصريان محمد ومحمود الدجلة في ورشتهما الصغيرة عند مدخل الجناح المصري. ويقول محمود وهو يقوم بتدوير دولاب الخزف بقدمه اليمنى، بينما تنشغل يداه في تشكيل قطعة من الصلصال الرطب بدقة ومهارة: نشارك في القرية العالمية من خلال جناح مصر منذ ثلاثة مواسم، ونصنع أشكالاً خزفية عدة من المزهريات والأواني والأكواب، وأخيراً المباخر الإماراتية، التي يمكن استخدامها سواء للزينة أو في الاستخدامات الاعتيادية. وإلى جانب حرفيتهما اليدوية، لا يحتاج الأخوان في إبداعاتهما سوى القليل من الطين الأسوانلي، وهو المادة الخام للخزف، الذي يحضرانه من مصر، وفرن كهربائي يتم فيه حرق المنحوتات الخزفية بعد تشكيلها لتثبيت شكلها النهائي. ولا تتوقف المتعة عند مشاهدة قطعة من الطين تتحول في حركة دائرية إلى تحفة فنية، بل تزداد عندما يدعو الأخوان مشاهديهما إلى محاولة تجريب تشكيل الخزف، وهي التجرية التي يعشقها ضيوف القرية العالمية، ولا يتوقفون عن طلب السماح لهم بتجريب تشكيل الخزف بأنفسهم، وسط إعجاب وأحياناً ضحكات المتابعين الآخرين. من جانب آخر، يمثل الأطفال أغلب زبائن الأردني علي الطنطاوي الذي يحترف الرسم بالرمل في مشغله الصغير خارج جناح فلسطين، وغالباً ما يطلب هؤلاء العملاء الصغار كتابة أسمائهم إلى جانب علم بلادهم وبعض الأشكال الطبيعية من الصحراء والخيل والجمال وغيرها من الأشكال المحببة للجميع. ويقول الطنطاوي الذي يشارك في القرية العالمية منذ خمسة مواسم، إن الرمال الناعمة التي يعمل بها تأتي من أماكن مختلفة مثل السعودية ومصر والهند، ليتم تنظيفها وتلوينها، تمهيداً لاستخدامها في أعمال فنية مختلفة مثل الرسم بالرمال. وتراوح قيمة أعمال الطنطاوي بين 30 و200 درهم حسب حجم القطعة التي تستغرق ما بين نصف ساعة إلى ثلاث ساعات من العمل. وعلى زاوية عند مدخل جناح سورية، يخطف كشك الحائك الحلبي بسام حضيب (36 سنة) أبصار ضيوف القرية العالمية بألوان معروضاته الزاهية والمتناسقة، التي يتوسطها النول الخشبي العتيق، فيما يقوم بسام بتحريك خيوطه بصبر وحب. ويضم كشك الحائك منتجات عدة تعود إلى التراث الحلبي القديم، مشغولة بأشكال تتباين في الموضوع والألوان ومنها الحقائب والجلسات العربية المعروفة والبسط والعبايات الحريرية والخيام. وورث بسام مهنته كحائك على النول من آبائه، واحترفها منذ كان عمره 17 سنة. ويقول بسام مازال للحياكة اليدوية للجلسات والخيام وغيرها من منتجات النول زبائن كثر في الإمارات، من كل الجنسيات، خصوصاً الشامية والخليجية، وأن شغفه بمهنة الآباء ورغبته في الحفاظ عليها هو ما زاد تمسكه بها، مضيفاً أن غزل الجلسة العربية على النول الخشبي القديم يستغرق عمل أربعة أيام بواقع أربع ساعات عمل يومياً، فيما لا يزيد سعرها على 450 درهماً، مضيفاً أن المشغولات الحريرية هي الأعلى سعراً وذلك لارتفاع سعر خامات الحرير. وعلى مشغولات النول الحلبي القديم الذي يبلغ عمره 80 عاماً، وباستخدام المشط والمكوك، يكتب بسام الأسماء، ويغزل الصور المحببة.