في جامع السلطان «سليم ياووظ» في منطقة الفاتح في اسطنبول، تجتمع عائلات سورية في انتظار مدفع الإفطار. يجمعها الهمّ المشترك أولاً والرغبة في الحصول على إفطار مجاني تقدمه البلدية التركية ثانياً. في القسم المخصّص للنساء، تحمل إحدى السيدات التي كسا وجهها تعب السنين وهمّ الغربة، مصحفاً في يدها، لكنها تسترق النظر الى الحاضرات كل فترة، في حين تستغل أخريات الفرصة لرواية قصصهن لنساء سوريات أخريات يتقاسمن معهن الجلسة الى مائدة حجزت مسبقاً. تشرح إحداهن كيف تركت هي وعائلتها منزلها في مخيم اليرموك منذ عام وهي لا تعرف ما الذي حلّ به، خصوصاً أن القنّاص هناك يتربص بمن يحاول الخروج أو إخراج أغراضه من أي منزل. تقيم حالياً مع تسعة من أفراد عائلتها في منزل واحد في منطقة الفاتح. تروي معاناتها المادية من ارتفاع الأسعار في تركيا، ففي حال أرادت شراء «سندويشة» لكل واحد من أفراد عائلتها، فإنها ستدفع ثلاثين ليرة تركية (حوالى 15 دولاراً). لكن أخرى تعاجلها بالقول إن عليها أن تحمد الله لأن سوريين آخرين لا يزالون تحت القصف داخل سورية وليس في استطاعتهم السفر. وتروي سيدة أربعينية معاناتها اذ كانت تعمل معلمة في الصفوف الابتدائية في سورية وتساعد زوجها بالعمل مساء في محل صغير «ميني ماركت» قريب من المنزل. لكنها فقدت منزلها ومحلها بعد قصفهما في منطقة عين ترما بريف دمشق، لتبدأ رحلة عذابها في تركيا. اضطرت للعمل - بدلاً من زوجها الذي فقد بصره نتيجة مرضه بالسكري - في معمل تركي للأكياس الورقية براتب لا يتجاوز 600 ليرة تركية (أقل من 300 دولار) في الشهر وهو المبلغ الذي تدفعه بدل إيجار منزل. تبدي السيدة استعدادها لتشغيل ابنها ذي الخمسة عشر ربيعاً في أي معمل، مضيفة أنه حصل على علامات شهادته الإعدادية بعد قدومه الى اسطنبول. سيدة أخرى تثني على الفطور المجاني الذي يساعد فيه شبان أتراك «اسلاميون» كما تقول. وترى أنه مناسب ويشبع الصائمين والصائمات، على رغم أن مظهره لا يوحي بذلك. وتعزو ذلك للبركة التي يضفيها المكان وأصحاب التبرعات الكرماء. وتقول إنهم يطعمون الأطفال الصغار قبل آذان المغرب بفترة كي يتفرغ الأهل لطعام إفطارهم. وبين كل حديث وآخر تتعالى الدعوات من أجل العودة القريبة إلى البلد، والتحسر على ما حل به من بلاء. «لماذا أعود؟» تعاجلهن احدى السيدات بالسؤال، ثم تتابع: «خسرت منزلي وأثاثه وأغراضي، وقتل ابني في المعتقل وأخاف على بقية أبنائي». في حين ترجع إحدى السيدات بذاكرتها إلى أعراس «ضيعتها» في الجولان والتي ذكرتها بها موائد الإفطار الممدودة، وتقول إن أبناء قريتها كانوا يدعون أهالي القرى المجاورة لمشاركتهم العرس. ويوزع شبان أتراك ملتحون طبقاً مؤلفاً من أقسام عدة، فيه حساء ورز ويخنة البطاطا باللحم وقطعتان من الحلويات التركية. ويتبارون في توزيع الماء واللبن العيران، ويسألون إن كان أحد الصائمين يرغب في كمية مضاعفة، فتؤكد بعض السيدات حاجتهن لكميات إضافية. يأتي بعد ذلك الخبز التركي المقطع الذي تصفه إحدى السيدات بأنه» أكثر أنواع الخبز لذة» وتدس بقطعة منه في كيس في حقيبتها، قالت إنها أحضرته كي تحمل معها قطع الحلويات التي لا تستطيع تناولها بعد الطعام فوراً.