بيروت: «الشرق الأوسط» اندلعت أمس اشتباكات عنيفة بين كتائب إسلامية منضوية تحت جناح «الجيش السوري الحر» وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش»، تعد الأكبر ضد التنظيم الذي تنامى حضوره في سوريا خلال الأشهر الماضية. وأبلغ قياديون في «جبهة ثوار سوريا» وكتائب إسلامية أخرى «الشرق الأوسط» بأن الجيش السوري الحر بدأ اليوم معركة القضاء على تنظيم «داعش» في حلب والشمال السوري بداية، ليتفرغ بعدها لقتال الجيش النظامي السوري. وأوضح ضابط قيادي في «جبهة ثوار سوريا» التي تشكلت أخيرا من عدد من كتائب وألوية الجيش الحر ويقودها قائد «لواء شهداء سوريا» جمال معروف وأعلنت انضواءها تحت راية أركان الجيش الحر، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «المعركة بدأت من دون تخطيط، وذلك عندما هاجمت قوات داعش في الرابعة من فجر أمس الفوج 46 بالقرب من الأتارب بريف حلب حيث يقوده ضابط تابع للجبهة وللجيش الحر ويتمركز فيه لواء المدرعات الأول مع 10 دبابات، وبين عناصره 18 ضابطا منشقا». وأضاف الضابط الذي قال إنه كان يتحدث من غرفة العمليات التي تقود المعارك أن «(داعش) ظنت أن الاستيلاء على الدبابات وأسر الضباط وجبة سهلة، لكننا قررنا أن الكيل قد طفح فبدأنا في شن هجوم مضاد لن ينتهي إلا بالقضاء على داعش من أرياف الشمال السوري وصولا إلى حماه»، مشددا على أنها «حركة على مستوى الشمال ابتداء من خان شيخون انتهاء بأطراف ريف حلب الشمالي في اعزاز». ولفت إلى أن الفصائل المشتركة في هذا «الهجوم الشامل» هي «جبهة ثوار سوريا»، بالإضافة إلى «جيش المجاهدين» الذي يضم «كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية» و«حركة النور الإسلامية» و«الفرقة 19» المتمركزة في حلب. وأشار إلى أن القتلى من داعش بالعشرات بينما وصل عدد الأسرى إلى نحو 200 بينهم أمير داعش في الأتارب، مؤكدا أن كل المحاولات التي أبدتها داعش للتفاوض بشأن وقف العملية فشلت. وشدد على أنه «لن نرضى إلا بخروج (داعش) نهائيا من سوريا»، حيث «قررنا أنه على السوريين تسليم أنفسهم وسلاحهم، أما إذا رفضوا فالقتال بيننا وبينهم، أما المهاجرون فأمامهم 24 ساعة لمغادرة سوريا». من جهته، أكد قائد الفرقة السابعة في الجيش الحر ونائب قائد جبهة ثوار سوريا للشؤون العسكرية العقيد هيثم العفيسي، لـ«الشرق الأوسط»، أن «معرة النعمان تحررت بالكامل، وكل مقراتهم (داعش) تحت السيطرة»، مضيفا أن «عناصر داعش في المنطقة معتقلون في سجوننا». وأكد العفيسي أن الهدف من العملية «ضرب كل من يقف مع النظام ويحاول تغيير البوصلة عن مسارها الحقيقي وعدم استباحة دماء الآخرين وتكفيرهم». وأوضح أنه على الرغم من هذه العملية «فنحن ما زلنا مرابطين على جبهة وادي الضيف» بوجه قوات النظام. وفي هذا الإطار، أكد قائد «كتائب نور الدين الزنكي الإسلامية» الشيخ توفيق شهاب الدين لـ«الشرق الأوسط» أنه «لن تقف المعركة إلا بعدما يتم محو كل أثر لداعش»، مشددا على أنه «لا تفاوض مع (داعش)، ولا تراجع في المعركة معهم». وشدد على أن «المعركة لم تكن محضّرة من قبل، لكنها نتيجة تراكمات وضغط على المدنيين والجيش الحر والكتائب الإسلامية من قبل (داعش)»، مشيرا إلى أن «(داعش) أذلت الشيوخ والأطفال وبالتالي أججت في الناس الشعور الذي أحسوه أول الثورة يوم خرجوا على النظام». ورأى شهاب الدين أن «المظاهرات التي شهدتها حلب وإدلب اليوم تأييدا لنا ضد (داعش) تؤكد صوابنا وأن هذا الشعب مقهور ويعاني ظلما منهم (داعش)، وحين رآنا نهجم كسر عقدة الخوف مجددا»، آملا في انضمام جهات أخرى كالجبهة الإسلامية إلى المعركة. لكن الجبهة الإسلامية أصدرت باسم مجلس الشورى طلبا من الدولة الإسلامية بعدم الاعتداء خصوصا على الفوج 46، داعيا إلى التهدئة، ومحذرا من أن هذه المعارك تخدم النظام. وفي هذا السياق، أكد الناطق العسكري باسم الجبهة الإسلامية النقيب إسلام علوش، ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عما إذا كانت الجبهة ستتدخل عسكريا، أن «البيان واضح حاليا، وفي حال ورود أي مستجدات سنطلعكم بها إن شاء الله». ولم يحدد علوش ماذا يقصد بالمستجدات، مشيرا إلى أنه «لا أدري ماذا سيستجد في الساعات المقبلة». وقد اختطف تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» أمس خمسة عاملين في منظمة «أطباء بلا حدود» في إحدى قرى الساحل السوري إثر اقتحام المستشفى الميداني الذي كانوا يوجدون فيها، تزامنا مع اندلاع الاشتباكات. وأشار ناشطون في جبل التركمان بريف محافظة اللاذقية إلى أن عناصر تنظيم «داعش» اقتحموا مستشفى «أطباء بلا حدود» في قرية «برناص» التي تقع بين الساحل وبلدة جسر الشغور. وأوضح الناشطون أن «عناصر (داعش) اعتقلوا الكادر الأجنبي بالكامل مع السوريين الذين يعملون معهم بحجة التحقيق معهم، ليفرجوا لاحقا عن الطاقم السوري ويبقوا على الطاقم الأجنبي». وأعلنت منظمة «أطباء بلا حدود» خطف خمسة من العاملين معها، وأكدت مسؤولة الإعلام والاتصالات في المنظمة، إيناس أبو خلف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «لواء التوحيد أبلغ المنظمة بأن الجهة المسؤولة عن الاختطاف هي (داعش)»، مشيرة إلى أن «المنظمة لا تزال تتقصى الأنباء عن العاملين المختطفين». وفي حين لم تفصح أبو خلف عن جنسيات المختطفين الخمسة أو طبيعة عملهم، أكدت أن «المنظمة تقوم بإجراء اتصالات مع الجهات المعنية في محاولة للإفراج عنهم». من جهته، قال الناشط المعارض المقرب من تنظيم «داعش» في ريف اللاذقية، عمر الجبلاوي، لـ«الشرق الأوسط»، إن «العاملين في منظمة (أطباء بلا حدود) اختطفوا من قبل (الدولة) على خلفية اتهامهم بالعمالة للنظام السوري». وفي ريف اللاذقية أيضا، اتهمت شبكة «سوريا مباشر» المعارضة تنظيم «دولة العراق والشام الإسلامية» باقتحام مكتبها في جبل التركمان باللاذقية واختطاف الصحافي طارق شيخو، بعد ساعات من قيام التنظيم أيضا باقتحام عدة مكاتب إعلامية في حلب وإدلب. كما أعلنت مجموعة فصائل إسلامية وكتائب تابعة للجيش الحر في تسجيل مصور عن تشكيل «جيش المجاهدين» في محافظة حلب، وهو يضم كلا من تجمع ألوية «فاستقم كما أمرت» و«الفرقة 19» وكتائب «نور الدين الزنكي الإسلامية» و«حركة النور الإسلامية». ورجح ناشطون أن تكون مهمة هذا الجيش مواجهة «داعش» في حلب خلال الفترة المقبلة. وشهدت الفترة الماضية توترا كبيرا بين كتائب المعارضة ومسلحي تنظيم «داعش»، إثر قيام الأخير باغتيال عدد من ضباط الجيش الحر وخطف وتعذيب عدد من الناشطين الإعلاميين والمدنيين والأطباء. وقال معارضون إن هذا التطور خلق حالة استياء لدى السوريين ودفعهم للخروج في مظاهرات أمس الجمعة، شملت مختلف المدن والقرى السورية للتنديد بانتهاكات «داعش». وأطلق الناشطون على هذه المظاهرات اسم «أبو ريان (حسين السليمان) شهيد الغدر»، والذي قتل في ريف حلب منذ أيام على يد عناصر من تنظيم «الدولة الإسلامية» بعد اختطافه لأكثر من عشرين يوما. وطالب المتظاهرون في الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب إضافة إلى مناطق من ريف إدلب وحماه وحمص بوضع حد لسلوكيات تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن الشعارات التي أطلقها المتظاهرون، بحسب أشرطة فيديو نشرت على الإنترنت «الجيش الحر للأبد.. دايس داعش والأسد»، و«داعش تطلع برّه».