عندما تنتقد جهة معينة أو دائرة حكومية أو حتى مشكلة اجتماعية، تُفاجأ بأن كثيرا يردد هذه العبارة: "أنت تنتقد ولا تعطي حلولا"، وهذه العبارة منطقيا غير مقبولة، والمصيبة أن كثيرا من النقاد أو الإعلاميين يتجاوبون معها ليرضون المطالبين بها، ثم يدخلون في تفاصيل ومتاهات تفتح لهم ألف باب. الناقد ليس مسؤولا عن إيجاد حلول، فهو ليس صاحب قرار، وليس في مكانة تؤهله لإيجاد حلول لكل مشكلة ينتقدها أو لكل جهة ينتقدها. مهمته هي تسليط الضوء على أي خلل أو مشكلة ربما يراها مؤثرة ويجب تفاديها. مثال بسيط، عندما تشتري سيارة وتكتشف أن المكابح لا تعمل بسرعة 60 كلم، أنت تعرف المشكلة، وتستطيع أن تصفها وتنتقدها، ولكنك لست مهندسا ميكانيكيا لتعرف ما هو الحل، وأين يكمن الخلل؟! ولا يجب عليك أن تقترح حلولا في مشكلة أنت لست خبيرا بها، ولكنك حتما تعرف أن هناك مشكلة وتستطيع توصيفها بدقة. هناك إعلامي شهير، كان دائما ينتقد الدول العربية في كثير من المجالات ويقارنها بالدول المتقدمة، وكان ناجحا في برنامجه، ومع الأسف عندما استجاب لضغوط الناس بمطالبته بإيجاد حلول لم ينجح، لأنه لم يعِ أن الناقد ليس مطالبا بإيجاد حلول. عندما ننتقد مشكلة في جهة معينة أو دائرة حكومية فيها مسؤولين وفيها متخصصين، هم أولى بإيجاد الحلول، وهذا لا يصادر حقنا في انتقادها وانتقاد أدائها. "أنت تنتقد ولا تعطي حلولا" أصبح الغرض من هذه الجملة إلجامك وإسكاتك عن أي انتقاد، والمشكلة الأعظم أن معظم تلك الجهات والمؤسسات لا تمانع من انتقادها، ولكن يأتيك من بيننا من يوكل نفسه محاميا عنها، ويطالبك إذا انتقدت أن تضع حلولا أو تصمت إلى الأبد. لا يا عزيزي، سنستمر في الانتقاد، وهم المطالبون بإيجاد الحلول، أو يتنازلون عن مناصبهم لمن هم أهل لها.