شهدت وما زالت العملية التعليمية كثيرا من التجارب التي أعتقد أن بعضها كان جيدا، وبصرف النظر عن الحكم على جودتها، فإن هذه التجارب لم تعط حقها الكافي من توفير مقومات النجاح لها. وفي اعتقادي أن أفكار التجارب، خصوصا في حقل التعليم، يجب أن توفر لها عدد من المعطيات، وتُهيأ لها البيئة المناسبة، ثم يتم متابعتها وتقييمها بصفة مستمرة. من أمثلة هذه التجارب التي شهدها قطاع التعليم العام في المملكة، تجربة الثانوية الشاملة ثم الثانوية المطورة. الفكرة في رأيي جيدة لعدة أسباب منها: أنها تهتم بجانب المهارات لدى الطالب، واعتماده إلى حد كبير على نفسه، وتهيئته للحياة الجامعية، أو التدريب بعد تخرجه من الثانوية، وتعوده على اتخاذ قراراته السليمة فيما يتعلق بدراسته، وإتاحة فرصة من الوقت لديه لاستثماره في تنمية نفسه وقدراته، أو العمل الجزئي الذي يعزز مهاراته ومواهبه. غير أن التجربة تم تنفيذها بشكل شابه خلل ونقص، ذلك أن التطبيق السليم للتجربة كان يتطلب عدة أمور أهمها، توفير البيئة المناسبة داخل مبنى المدرسة. فضلا عن أن التجربة كانت تتطلب تهيئة أطراف العملية التعليمية، بحيث يكون الجميع مستعدين لتطبيق التجربة. لم يحدث شيء من هذا، ثم حكم على التجربة بالفشل، وألغيت فكرة الثانويات الشاملة والمطورة التي كان يفترض أن تحقق جملة من النتائج المفيدة للطالب والعملية التعليمية، لعل أبرزها إمكان اختيار التخصص في نظام يوفر عدة اختيارات، وينمي قدرات أبنائنا في هذه المرحلة وكأننا لا نتعلم من تجاربنا، فعندما نتحدث الآن عن تجربة تم تطبيقها في المرحلة الثانوية أيضا، وهي تجربة المعدل التراكمي، والتي تجمع حصيلة الطالب التعليمية في السنوات الثلاث لهذه المرحلة، ويكون معدله الذي يتخرج به محصلته النهائية. ما حدث في ميدان التعليم فعليا أننا نرتجل تجارب تنفذ بقرار وتلغى بقرار. ربما يكون بعض هذه التجارب حقق نجاحا في مناطق جغرافية معينة من العالم، لأنها طبقت بشكل مختلف، ولكن أخذنا الفكرة وأخطأنا التطبيق، وكأننا نريد مسبقا إثبات فشلها، بينما مرد الفشل ربما يكون في أسلوب التطبيق.