لا يمكن للإنسان الذي كان يوصف بأنه اجتماعي بطبعه، أن يعيش وحيدا وسط هذا الكم الهائل من الأجهزة، بحجة أن هذا الأمر من مستلزمات السعادة، إذ يدعو كثير من المروجين لوصفات السعادة المختلفة، أن يبتعد الإنسان عن كل ما من شأنه أن يحدث له التوتر والضيق، من الأحداث أو الأشخاص، ويجب عليه ألا يستمع إلى الأصدقاء الشكايين أو السلبيين، ويحصر علاقاته مع الناس الإيجابيين، الخالين من الهموم والمشكلات، ليرفع من مستوى السعادة لديه. فترى المقتنعين بهذه الفكرة مهووسون، يهربون من أصدقائهم ويهجرون أقاربهم، بل ويأنفون من الاستماع إلى شكوى أخت أو أم. مصنفين الكون من حولهم إلى سلبي وإيجابي. أو شحنات سلبية وشحنات إيجابية. حتى إذا ألمت بهم ضائقة، وجدوا أنفسهم وحيدين بلا صدور تحتويهم، أو أكف تربت عليهم، وتمسح دموعهم. وًهْم السعادة هذا، الذي يتاجر به كثير من نجوم قنوات التواصل الاجتماعي، أمر دعائي، يشبه إلى حد كبير الوصفات السحرية التي تعد بصنع المعجزات في أوقات قصيرة. وفي النهاية لا شيء سوى السراب. دعوا من يبحثون عن السعادة "الوهم" في ألواح الشكولاتة، وكهوف الوحدة، والسجائر، والنصائح التي تحمل في ظاهرها السعادة، وفي باطنها الهم والوحدة. دعكم من وصفات السعادة الوهمية تلك، اقتربوا ممن تحبون، شاركوهم أفراحهم وأحزانهم، احتووهم وخففوا عنهم. اقتربوا من الله أكثر، تفقدوا ما منحكم من نعم، واشكروه عليها، فالسعادة إنما تنال بالإقبال على الله بالطاعات، ودوام التقرب إليه سبحانه وتعالى، والإنابة إليه عز وجل؛ فإن ذلك يوصلك إلى حلاوة الإيمان وجنة الدنيا، كما قال رب العزة والجلال في سورة النحل، "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً". وقال الشاعر: ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد فلا تركنوا إلى تجار الوهم والمستحيلات، وتصدقوهم، ابحثوا عن السعادة بأنفسكم، وإن لم تجدوها، فاصنعوها أنتم بأيديكم.