×
محافظة المنطقة الشرقية

الفيصلي والفتح وهجر .. تزحف

صورة الخبر

أحد المبدعين الشبان الذين فرضوا أسماءهم على الساحة خلال السنوات الأخيرة، سيما مع استحداثه أفكارا جديدة في كتابة الرواية مزج فيها شريف عبدالهادي، بين السرد الروائي والحوار السينمائي. فقدم في هذا الإطار روايتي تستروجين وكوابيس سعيدة، فضلاً عن روايات أخرى. وهو يحكي في حواره مع (بيان الكتب)، عن محتوى ورؤى تجربته في الصدد، مشيراً أيضاً، إلى جملة قضايا، بينها إيمانه بأن الخيال والبساطة جناحا الأدب الراقي وسر تغلغله إلى القلب والعقل. طرحتَ أحدث أعمالك الروائية بمزيج يجمع الروحاني والديني تحت عنوان ملكوت. ما سر اتجاهك إلى هذا النوع من الكتابة؟ في ظل اشتعال العالم بأسره، واستباحة الدماء والأعراض جراء الفهم الخاطئ للدين من قبل البعض، وانتشار موجات العنف والإرهاب وذلك الهول والاكتئاب الذي ضرب نفوس البشر.. فكّرتُ في كتابة عمل يتصدى إلى هذا العبث، ويدعو البشر إلى العودة للحظة خلقهم، وإعادة تأمل الحياة والكون بشكل روحاني مختلف، ليصلوا إلى معاني التعايش والتآلف والمحبة والسلام، ليتصالحوا مع أنفسهم، ويتصالحوا فيما بينهم. جدلية شائكة كتبتَ المراجع التي استفدت منها في نهاية الرواية، وهي فكرة قلما توجد في الروايات. ألم تخش أن تتهم جراء هذه الخطوة بالاقتباس؟ وهل من يسرق فكرة يشير إلى مصدرها ليفـــضح نفسه؟! المراجع ليست مصدر الفكرة، لكنها المادة العلمية والفـــكرية التي تدعم ما ورد في الرواية من أفكار وأطروحات، خاصة أنها جدلية وشائكة للغاية، وتحتاج إلى التبحر في أصول الأديان السماوية، وكيف حدثت خلافات بينها رغم أنها تعود إلى أصل إلهي واحد، بجانب الأحداث التاريخية الكثيرة، ما استلزم وجود ما يدعم ما ورد في العمل الذي تنتظره خلافات كثيرة. تعددت أنواع الأفكار والموضوعات التي تناولتها في أعمالك، ما بين الخيالي والإثارة والتشويق والرومانسي الكوميدي وأدب الاعترافات.. وأخيرا الروحانية في.. فأيها العــمل الأصعب برأيك.. وما الذي قصـــدته من هذا التنوع والاختلاف؟ كل عمل أعتبره الأصعب وقت كتابته، فالكتابة عملية تحد مع النفس ورهان مع هواجس خفية بأن ما تكتبه لن يكتمل ولن يخرج بشكل جيد إلى الناس، ليفترس المبدع كلماته وينتزعها من وادي عبقر! وسر التنوع في أعمالي وعدم الثبات على نوعية محددة، أن الله عز وجل رزقني أفكاراً كثيرة ومتعددة، ووظيفتي في هذه الحياة أن أخرج هذه الأفكار إلى النور بشكل جديد وجيد يرتقي بالكيان والوجدان، ويضيف إلى القارئ رصيدا فكريا ومعرفيا حتى يتذكرني من يقرأ كلماتي بالخير، سواء كنتُ موجودا هنا، أو في الجانب الآخر من الحياة. سُكَّرٌ في دواء مُر تزاوج في رواياتك بين الواقع والخيال.. فهل تقصد ذلك؟ نعم، لكنه ليس خيالاً إلى درجة المبالغة واستحالة الحدوث، والهدف في ذلك يشبه إضافة السكر إلى الدواء المُر حتى يسهل بلعه من قبل الأطفال. فالفارق بين الكتابة العلمية والكتابة الأدبية من وجهة نظري، أن الأدب يخاطب القلب والروح والوجدان، ولن يتسنى له التغلغل فيها إلا بما يحمله من متعة وخيال وبساطة. مشروعات عديدة لجأتَ إلى الكتابة السينمائية وصنعت مفهوما جديدا هو (أفلام على ورق)، كما في (كوابيس سعيدة) و(تيستروجين). فهل تنوي استكمال ذلك بعد رواية (ملكوت)؟ أم ترى أن عملين من هذا النوع كافيان؟ لديّ مشاريع عديدة في كتاباتي، مثل ترسيخ مصطلح (أفلام مقروءة في كتاب) حتى يواجه الإسفاف والابتذال المتفشي في غالب الأفلام السينمائية الحالية، وتكذيب المنتجين والنجوم والمخرجين الذين يزعمون أن لدينا أزمة ورق، وإثبات أن هذا الجيل يملك أفكارا جديدة ومتميزة، لكن أزمة أصحاب تلك الأفكار أن المنتج أو النجم أو المخرج يكون غير مثقف ويبحث عن الربح فحسب.. وسأواصل تقديم تلك النوعية من الأعمال ما بين فترة وأخرى، كما أن لديّ مشروعا آخر عن مفهوم العدالة وضعف القوانين التي تحكم بيننا وسوء وبطء العمل في منظومة القضاء المصري.. وهذا ما بدأته في (أبابيل) وسأكمله في روايات أخرى، بجانب مشروع بدأته في (ملكوت) عن التعايش بسلام ومحبة بين مختلف الأديان والعقائد. فكل مشروع وضعتُ لبنته الأولى وتوسعتُ فيه بشكل أفقي، وبعد تحقيق الانتشار والنجاح الكافي، سأواصل تلك المشاريع واستكمل بناء كل منها بشكل رأسي. بيست سيلر يتهم عدد من النقاد كُتّاب الـبيست سيلر، أنهم يبحثون عن زيادة نسبة مبيعات رواياتهم بين الشباب، حتى وإن كانت بلا قيمة.. ما وجهة نظرك في الخصوص؟ مصطلح الـبيست سيلر ليس بدعة مصرية أو عربية، إنه موجود في العالم كله، ومثله مثل مصطلحات كثيرة، له شق إيجابي وآخر سلبي، فالإيجابي أنه يشير إلى الأعمال الناجحة لتكون ترشيحا لمن يريد شراء كتاب جديد.. ويستغل المنتجون تلك الأعمال في تحويلها إلى أعمال فنية سينمائيا وتليفزيونيا، أما السلبي فهو اللعب من تحت الترابيزة من بعض الناشرين وبعض المكتبات لوضع كتب لا تستحق في قائمة الأكثر مبيعا، بخلاف أن هذا المصطلح يظلم أعمالاً أخرى ربما تكون أكثر قيمة وفكرا ولا ينتبه إليها من يقبلون على شراء الأكثر مبيعا. هل هناك قطيعة حالية بين جيل الشباب من الكتاب وجيل الكبار؟ ليست قطيعة، لكنه تواصل ضعيف. كلا الطرفين مسؤول عنه، لكن المسؤولية الكبرى بطبيعة الحال تقع على عاتق الكبير الذي ينبغي عليه احتضان الأصغر والأخذ بيده. وهل ترى دور النقد الحالي منصفاً أم يخضع للصداقات والأهواء؟ أرى أنه لا يوجد نقد أصلاً! وما رأيك في اتهامات النقاد لذائقة القراء بأنها السبب في وجود بعض الروايات دون المستوى؟ الزمن كفيل بفلترة الأعمال الضعيفة والغثة.. وإبراز قيمة الثمين الجيد، لكن يكفي أن هناك عودة من الشباب إلى القراءة مرة أخرى، وهذا في حد ذاته أمر إيجابي. وما الرواية الضعيفة بتصورك؟ الرواية الضعــــيفة هي التي لا تحترم عقل القارئ، ويلجأ كاتبها إلى الاستسهال، سواء في الحبكة أو في ركاكة اللغة والأسلوب، لأنه لم يكن في الأصل قارئاً جيداً. العصر الذهبي متى يتحسن المناخ الثقافي وتصبح قراءات المصريين والعرب مثل الغرب؟ الأمـــر ليس اخـــتراعا ولا يحـــتاج معجزة، يكفي أن نفـــعل مثلما كان العرب والمسلمون يفعلون في العصر الذهبي للإسلام الممـــتد من منتصف القرن الثامن حتى القرن الرابع عشر ميلاديا.. حيـــث كان هناك اهتمام بالعلم والعلماء والمفكرين والمترجمين، إلى حد أن من يؤلف كتابا أو يترجمه يأخذ وزنه ذهبا، فالعملية الثقافية تتأثر بالعملية التعليمية، والعملية التعليمية تحتاج إلى فصول ومدارس تمتلك الأدوات اللازمة للإبداع، ومناهج جيدة ترتقي بالعقول والأفكار واهتماما بالمواهب والطاقات المعطلة، وتحسين أوضاع المُعلم. لذا؛ الكاتب أو المبدع يدفع ثمن سوء المنظومتين الثقافية والتعليمية سويا. وذكرتْ نتائج خلصت إليها لجنة تتابع شؤون النشر تابعة للمجلس الأعلى للثقافة في مصر أن العالم العربي يقف في ذيل قائمة الأمم القارئة، ويبلغ متـــوسط معدل القراءة فيه للــــفرد ربع صفحة سنويا، بينما تصل معدلات القراءة في أميركا إلى 11 كتابا للفرد سنويا، وفي بريطانيا إلى سبعة كتب. ووفقا لدراسة لجنة الكتاب والنشر، التابعة للمجلس الأعلى للثقافة، فإن العالم العربي ينشر ألفا و650 كتابا سنويا، بينما تنشر الولايات المتحدة وحدها 85 ألف كتاب سنويا. ملكوت.. مزيج العقائد والتاريخ والتثاقف ملكوت رواية ملحمية صادرة عن دار تويا للنشر، تلخص قصة الإنسان منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا، ولا تخضع إلى تصنيف محدد، تجمع بين الديني من خلال استعراض للأديان السماوية الثلاثة، راصدة بشكل تاريخي تطورها والعلاقة بين أتباعها.. كما ترصد التغيرات التي طرأت على مدينة الإسكندرية التي اعتبرت على مدار التاريخ مدينة عظيمة كوزموبوليتانية، جمعت دوماً أتباع كل الأديان والعقائد سواء السماوية أو الوثنية، وفي العصر الحديث جمعت حوالي 15 جنسية مختلفة من ثقافات وأعراق وأصول مختلفة، وكان قاطنوها جميعا يعيشون في انسجام مذهل.. كما يحوي العمل في طياته جانبا رومانسيا وجانبا آخر به قدر من الإثارة والتشويق، إضافة إلى لمحة غرائبية.. وفق حبكة وتصورات وهي من وجهة نظر الكاتب علاقات قابلة للتحقيق وليست خيالاً مبالغا فيه. قيمة وكان طبيعيا في ظل عمل يحمل كل هذا المزج الروحاني والديني، أن يحمل اسما ذا دلالة دينية روحانية، كما يوضح الكاتب، مبينا أنه لم يجد أفضل من اسم ملكوت الذي يعني مُلك الله الهائل، سواء المادي المحسوس، أو الروحاني العلوي محل الملائكة والأرواح وجند السماء والشفعاء. تفاصيل وتشعب والقارئ لرواية ملكوت، يجد أنها لم تخلُ من معلومات تفصيلية ومتشعبة، نظرا لتعرضها إلى عدد كبير من الحقبات التاريخية، منذ بداية الخليقة وحتى يومنا هذا، وهو ما يجعل روايته هذه تلعب دورا مزدوجا ما بين توضيح جماليات وفنون الكتابة الأدبية. وكذلك الكتابة المعرفية، من خلال المعلومات التي تزخم بها الرواية. وفي سياق لغة الرواية أيضا، يقدم عبدالهادي لغة مزدوجة، ما بين الفصحى والعامية، وهو ما اعتبره البعض نقطة ضعف للرواية لا قوة، فرغم أن كل شخصية تتحدث وفقا لخلفيتها الثقافية والحياتية، إلا أن اللغة في العمل، كانت مثار انتقاد بعض القراء، لاسيما هؤلاء الذين لا يحبذون مزج العامية بالفصحى في الأعمال الأدبية. ووفق عدد من النقاد، وبعيدا عن مضمون الرواية، فإنه يحسب لكاتبها شريف عبدالهادي، أنه طرق بابا جديدا لتحقيق الترويج الأمثل لروايته، حيث سبق نزول الرواية برومو ترويجي، وهو عبارة عن مادة فيلمية مشوقة تعطي ملمحا عن الرواية وتزيد من روح التشويق لدى القراء.