تمثل صناعة السيارات أحد أهم قطاعات الصناعة في العالم. ويبلغ عدد الشركات الكبرى العاملة في هذا القطاع ما يفوق الأربعين شركة، التي تتنافس في ما بينها من أجل الفوز بالحصة الأكبر في الأسواق العالمية. وكان هذا القطاع الهام من عالم الصناعة قد عرف في السنوات الأخيرة أزمة كبيرة تبدّى المظهر الأساسي منها في زيادة الإنتاج، ووجدت شركات تصنيع كبرى نفسها على حافّ الإفلاس. وتتفق الآراء أن هناك أزمة عالمية في صناعة الصناعات، كما يطلق كُثر على هذا القطاع، حيث يعمل فيها ما يزيد على 8 ملايين عامل ويزيد معدل رقم أعمالها السنوية عن 2000 مليار دولار. تتمثل أهم مظاهر الأزمة في فائض الإنتاج وفي التسويق. وهذه الأزمة تجد أصداءها المتكررة في مختلف وسائل الإعلام العالمية. وتحت عنوان الأزمة والمقاومة والبقاء يقدم الباحثان ماتياس هولويغ، أستاذ إدارة الأعمال في جامعة أكسفورد ونايك اوليفر الأستاذ في جامعة ادينبورغ كتاباً مشتركاً يحاولان فيه استخلاص الدروس من الأزمة العالمية لصناعة السيارات، كما يقول العنوان الفرعي للكتاب. في الصفحات الأولى من هذا العمل يقدم المؤلفان نبذة تاريخية عن تطور صناعة السيارات في العالم. ويتوقفان عند مختلف المنعطفات الكبرى التي عرفها هذا الفرع من الصناعة. ذلك إلى جانب الكشف عن مختلف أشكال الضغوط والتحديات التي واجهتها المجموعات الكبرى العاملة في قطاع صناعة السيارات باعتبارها أحد أهم ميادين عالم الأعمال في الحقبة المعاصرة. ويتعرضان بعد ذلك لشرح بعض مظاهر الأزمة، بل الأزمات المتكررة لقطاع صناعة السيارات على الصعيد العالمي. والإشارة مثلاً إلى التراجع الكبير الذي شهده القطاع المعني خلال عامي 2008 ــ 2009. هكذا شهد عام 2008 بيع 61 مليون سيارة مقابل 73 مليون عام 2007. وفي أميركا وحدها جرى إغلاق 18 مصنعاً للسيارات من بينها 13 تعود لمجموعة جنرال موتورز وحدها. وهذه الأرقام تتأرجح صعوداً وهبوطاً في السنوات اللاحقة. والإشارة إلى أن النجاح في قطاع صناعة السيارات لا يتوقف فقط على القدرة على تصميم وتطوير وتصنيع وتسويق عربات قادرة على المنافسة. إذا كان ماتياس هولويغ ونايك اوليفر يؤكدان أهمية هذه الخطوات كلّها، فإنهما يؤكدان أيضاً أنها ليست الوحيدة الحاسمة التي تمثل طريق النجاح. ويركز المؤلفان في تحليلاتهما على عامل استجد على قطاع صناعة السيارات، وربما أكثر من غيره من القطاعات الصناعية خلال القرن الماضي، ويحددانه، أي العامل المستجد، في التغيرات الجوهرية التي عرفتها صناعة السيارات. ذلك بظهورأجيال جديدة من السيارات التي تعمل بمصادر طاقة مزدوجة أو كهربائية أو بواسطة بطاريات بديلة للطاقة التقليدية، البترولية. يضاف إلى هذا واقع أن منظور قيادة السيارات على أساس استقلالها الذاتي أصبح من بين المشاريع المطروحة للتداول التجاري في العديد من البلدان الغربية. ولم يعد من باب الخيال العلمي الحديث عن أن السيارات ستكون قادرة في الأفق غير البعيد على التواصل في ما بينها. ويقوم المؤلفان، عبر رسم الإطار العام لصناعة السيارات في العالم اليوم وفي الشروط المستجدة في عصر ثورة المعلوماتية وما تخلقه من دينامية جديدة، بمحاولة إلقاء الضوء على الأسباب التي قد تثير الأزمات وسبل المقاومة والبقاء، وباختصار تحقيق النجاح أو مواجهة الفشل. هذا في إطار ما تفرضه الشروط البنيوية لآليات عمل قطاع صناعة السيارات العالمي. ويتم التأكيد بأشكال مختلفة في تحليلات هذا الكتاب أن نجاح قطاع السيارات، وبقاءه، أو فشله، أمور تتعلق بعدد من الإنجازات في مقدمتها النجاحات المحققة على صعيد العمليات التجارية، وعلى صعيد التسيير والإدارة والدعم من قبل الأطراف ذات الاهتمام. ومن أجل توضيح رؤيتهما لمستلزمات النجاح، يدرس المؤلفان بالتفصيل ما يعتبرانه التعبير عن فشل كامل صادفته مجموعتان كبيرتان لصناعة السيارات على الصعيد العالمي ووصلتا إلى حافة الإفلاس هماروفر البريطانية وساب السويدية . وما يصفانه بـشبه فشل لمجموعتين عالميتين أيضاً هما كرايزلر الأميركية ونيسّان اليابانية. ويطرحان في هذا السياق السؤال المتكرر: لماذا تنجح بعض مجموعات تصنيع السيارات بينما تفشل مجموعات أخرى؟ وفي جميع الحالات يتم التأكيد على عوامل هامة لها دورها في تحديد مدى نجاح أو فشل الشركات الكبرى المعنيّة. وهي تتعلّق أولاً وأساسا،ً كما يرى المؤلفان، بمدى التواجد في الأسواق العالمية المعنيّة بصناعة السيارات، وكذلك مدى أهمية شبكة العلاقات التي تلعب دوراً كبيراً في نجاح أو فشل هذه المجموعة أو تلك من المجموعات العاملة في حقل هذه الصناعة. ومن السمات التي يتم التأكيد عليها في قطاع صناعة السيارات هناك واقع الدورة الطويلة جداً على الصعيد الاقتصادي لتحقيق النتائج. مثل هذه الدورة الطويلة تجعل من هذا القطاع من الصناعة عرضة باستمرار لـمخاطر مالية تبعاً للظروف والشروط ذات التأثير على النشاط الاقتصادي العالمي بشكل عام. لكن هذا لا يمنع واقع أنه من النادر دائماً أن تواجه مجموعة صناعة السيارات أزمات مالية تهدد مصيرها وتدفعها نحو الإفلاس، ذلك أن هذه المجموعات قد حققت خلال مسيرتها الطويلة ومن خلال فترات الازدهار الطويلة التي عرفتها احتياطاً مالياً كبيراً يجنّبها الكوارث المالية المفاجئة. ونجد في فصول الكتاب، أنه يوظف المؤلفان خبرتهما الطويلة التي امتدت لعقود في تحليل آليات عمل المؤسسات والمجموعات والشركات الاقتصادية. هذا مع الابتعاد عن التبسيط المألوف حول صناعة عالمية بامتياز، ذلك إلى جانب أنها صناعة تنمو أكثر فأكثر، كما أن شركاتها الكبرى عرفت باستمرار أن تقاوم الضغوط المتنوعة المشارب التي تمارس عليها مثلما أثبتت تجارب عديدة.