في شقة غير مكتملة البناء في مدينة غزة، تنتشر بقايا الأخشاب لإعادة تدويرها وإنتاج أعمال فنية مبهرة ذات معنى جمالي بارز، منها ما يحمل رسائل وطنية فلسطينية، ومنها مجسمات متعددة الأشكال لسيارات وباخرات خشبية، بأنامل لا تزال غضّة. ثلاثة يافعين من عائلة زملط يعملون كخلية نحل منسجمة، لكل منهم مهماته المتعددة للخروج من هذه البقايا بأعمال فنية، برزت منها لوحة نحتية ثلاثية الأبعاد حملت عبارة «القدس لنا» بالعربية والإنكليزية أسفل مجسم لأسوار القدس العتيقة التي يسعى الاحتلال إلى تهويدها، كما هو حال كل شيء في المدينة التي يطمح الفلسطينيون إلى تجسيدها عاصمة لدولتهم الحلم، على أرض الواقع. كل واحد منهم يعرف مهماته تماماً، ويعمل على إنجازها في الوقت المحدد لها، وفق خطة عمل مدروسة تشمل عمليات القص والرسم واللصق والدهان، آخذين بعين الاعتبار أن ينجزوا هذه المهمات في الساعات القليلة المخصصة لتوصيل مشغلهم بالتيار الكهربائي، كما هو الحال في معظم مناطق القطاع المحاصر بأمر الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات. ويقول ركان زملط: «نعمل على تجميع بقايا القطع الخشبية، وأحياناً القطع المعدنية التي يستغني عنها أصحاب الورش ، لنخرج منها بأعمال وتحف فنية، على أمل عرضها في معارض بمدن القطاع والضفة الغربية، وربما في عواصم عربية وعالمية أو بيعها في محلات التحف». ويضيف: نحن لسنا فنانين محترفين، لكننا نملك الموهبة، وهذا ما أكده كل من شاهد أعمالنا، لذا نسعى لتطوير هذه الموهبة عبر الممارسة، والاستفادة من فنانين فلسطينيين أو عالميين متخصصين في هذا الجانب، ولهم أفلام فيديو منشورة عبر مواقع الإنترنت المختلفة». هناك طلب كثير على السيارات الكلاسيكية التي يصنعونها من بقايا الخشب، وهي سيارات مستوحاة من تلك التي كانت دارجة في عشرينات القرن العشرين وثلاثيناته، إضافة إلى السفن الشراعية البدائية التي تلقى بدورها رواجاً بين المشترين. واستطاع الثلاثي زملط، كما يطلق عليهم، المشاركة في معرض حاضنة الأعمال في الجامعة الإسلامية بغزة، ومشروع «مواءمة إبداع الأفكار»، حيث كان لإسناد أسرهم دور كبير في ذلك، وفي منحهم فرصة لتطوير إبداعاتهم. ويقول مصعب زملط: «صحيح أننا ننتج هذه الأعمال بإمكانات متواضعة ومن «ورشة» صغيرة وفقيرة نسبياً، إن جاز التعبير، لكننا نطمح لأن نتطور مع الوقت، ونتمكن من إنتاج أعمال أكثر كمّاً وأعمق نوعاً، وأن نمتلك ذات يوم ورشة فنية حقيقية، ومعدات متطورة». وتشكل أزمة الكهرباء ومنع استيراد الأخشاب وتوقف بعض المناجر عن العمل في قطاع غزة، عائقاً أمام الثلاثي زملط لتحقيق أحلامهم بالسرعة التي يرغبون ويطمحون، لكن إرادتهم ومثابرتهم على العمل، هي السلاح الذي يملكونه لتجاوز هذه التحديات، ولتسطير اسمهم في عالم الإبداع فلسطينياً وعربياً، وربما عالمياً ذات يوم.