أسرّت لي صديقة عربية بسر (مهم) حسب وصفها، بعد أول زيارة لها للإمارات، قالت: حينما علم أصدقائي بمجيئي إلى الإمارات صار كل واحد منهم يسدي لي نصيحة أو يدلي برأي ما، المهم - حسب قولها - اتفق جميعهم على وصف الإمارات بأنها ليست سوى بلد متخلف وأن أهلها مجموعة من البدو الذين لا حظ لهم من الرقي والمدنية! حين جئت للإمارات وتنقلت بين أبوظبي ودبي - تقول صديقتي - خجلت من نفسي لأنني صدقت تلك الأفكار، وبأنني حملتها في رأسي ذات يوم؛ فأنا لم أرَ تخلفاً ولا انعدام تمدن أو قلة ذوق، بل رأيت كل الذوق والرقي والتحضر والمدنية، وحين عدت والتقيت بأولئك الأصدقاء قلت لهم: لا تحدثوني عن البدو والحضارة وانعدام الذوق والرقي والثقافة، اذهبوا وانظروا ماذا فعل البدو في بلادهم، ماذا بنوا وماذا أنجزوا وماذا حققوا في زمن قياسي، ثم انظروا إلى أنفسكم وأوضاعكم وقولوا لي: ماذا فعلتم أنتم وماذا أنجزتم وماذا حققتم؟ دار هذا الحوار بيني وبينها، وأنا أقرأ تعليقات البعض على تعيين بعض الوزراء والوزيرات من جيل الشباب، وعلى تعيين سارة الأميري رئيسة لمجلس علماء الإمارات، حيث انتفض أحدهم متهكماً من تعيين فتاة رئيسة مجلس علماء لبلد لا وجود لعلماء أو مثقفين فيها، ولقد تمالكت نفسي من الانجرار لتلك الاستفزازات التي يمكن للبعض أن يجرفك إليها عامداً متعمداً، فمثل هذه العقليات يفترض أن نتصدى لها بطريقتها فيتم إخراسها أو إقناعها حسب ما تمتلك من قدرات على التفكير والاستدلال والاعتراف بالخطأ. وهنا كان السؤال المطروح: لماذا تصرُّ مجموعات ممن يسمون أنفسهم بالمثقفين العرب المنتمين للأفكار الحزبية والأيديولوجيات الثورية على نكران تفوق الإمارات وتمكنها من إثبات نفسها عربياً وعالمياً كظاهرة تنموية إنسانية متقدمة؟ الغيرة واحدة من أهم تلك الأسباب، الجهل أيضاً سبب رئيس لنكران الحق، وكذلك الجحود وعدم الاعتراف بسقوط وتهافت تلك الأيديولوجيات التي ثبت خواؤها وفشلها في تحقيق تطلعات الإنسان؛ الغطرسة الثقافية التي يتميز بها البعض بحيث يعتقد أن التشدق بالعبارات الرنانة هو التجسيد الفعلي للثقافة ولا شيء آخر، بينما الثقافة فعل بنّاء وتعمير ونماء وبحث مستمر عما يصلح الأرض والإنسان والإنسانية كافة، وهذا هو مسلك الإمارات! هناك من لا يريد أن يعترف بأن الإمارات قد تجاوزته بمراحل بينما هو لا يزال يقتات على ما خلفته أنظمة تم الانقلاب عليها منذ أكثر من ستين عاماً. اعتراف هؤلاء لن يضيف للإمارات شيئاً، فالإمارات ستصل للمريخ بعد خمس سنوات من الآن؛ لقد وظفت ثرواتها لصالح الإنسان، وزرعت أرضها بالخير والنماء والتقدم، وحققت منجزات على مستوى العالم، وقدمت نفسها دولةً منافسةً لدول عظمى وفي محافل دولية، لم تتشدق ولم تدّعِ ولم تحسد، بل عملت وأنجزت، وبسطت يدها وفتحت قلبها للجميع، وعمل أهلها ليل نهار لبنائها، وبهذا استحقت مكانتها.