لا يمكن للمتابع لمواقف سياسيين بريطانيين وتقارير وسائل الإعلام المختلفة إلا أن يخلص إلى أن هناك «مشكلة ما» في داخل المجتمعات الإسلامية، على تنوّعها، في المملكة المتحدة. إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون تقرير صحافي أو موقف سياسي بخصوص تصرّف معيّن قام به مسلم أو مسلمة، أو يُفترض بهما القيام به: الالتحاق بتنظيم «إرهابي» في الخارج أو منع هذا الالتحاق، تعليم النساء المسلمات اللغة الإنكليزية بهدف التصدّي لــ»عزلهن» في البيوت والدفع بانخراطهن أكثر في المجتمع، تورّط «شبان مسلمين» في اعتداءات جنسية على قاصرات في أكثر من بلدة بريطانية. لائحة المطالب من المسلمين، أو الشكاوى منهم، تطول في الحقيقة إلى درجة أنها لا يمكن حتى أن توجز في أسطر قليلة. ولا شك أن جزءاً لا بأس به من هذه التقارير والمواقف يستند إلى حقائق موضوعية تتعلّق بمشكلات تعاني منها الجاليات المسلمة، إلا أن خطورتها تتأتى من كونها تساهم بطريقة أو أخرى في تعزيز ظاهرة «الإسلامافوبيا» أو الخوف من المسلمين، وهي ظاهرة بات يُعبّر عنها علناً وفي الشارع، كما ظهر من التظاهرة - المحدودة العدد والصامتة لكنها قوية المفعول - التي جرت قبل أيام في مدينة برمنغهام (وسط إنكلترا)، والتي أتت في إطار احتجاجات أوسع معادية للإسلام شملت مدناً أوروبية نظمتها جماعة «بيغيدا». القضية الأخيرة التي أثيرت في خصوص المسلمين ودورهم في المجتمع، تستحق ربما التوقّف عندها قليلاً لأنها تُسلّط الضوء على نقاش مكبوت دار ولا يزال يدور داخل الجالية المسلمة نفسها، وغيرها من مجتمعات الأقليات، في شأن الدور الذي تسعى المرأة تحديداً إلى لعبه، لكنها تُواجه بـ «قمع» المجتمع الذكوري عينه. وتقول شايستا غوهير من «رابطة النساء المسلمات في المملكة المتحدة» إن «التمييز» السلبي الذي يقوم به مسلمون ضد مسلمات ساعيات إلى لعب دور سياسي من خلال الترشّح مثلاً إلى عضوية المجالس البلدية المحلية، «سرّ مكشوف» تعرفه الجاليات المسلمة لكن أحداً لا يتحدّث عنه علناً. وكتبت غوهير رسالة إلى زعيم حزب العمال جيريمي كوربن تطلب منه فتح تحقيق في «كراهية منتظمة ضد النساء يُظهرها عدد كبير من الرجال المسلمين الأعضاء في المجالس البلدية المحلية... بتواطؤ على مستوى عال» من قيادات عمّالية. وأيّد غــافين شوكر النائب عن حزب العمال عن دائرة لوتون القريبة من لندن التي تضم جالية مسلمة كبيرة، مزاعم غوهير، كاشفاً إنه أثار قضية «التمييز» ضد العنصر النسائي المسلم مع قيادة حزبه، لكنه لم يجد تجاوباً منها. وقال شوكر إن المرأة المسلمة لا يُسمح لها «في حالات كثيرة جداً» بأن تكون أكثر من «الزوجة أو الابنة» للمسلم العضو في المجالس البلدية لحزب العمال. لكن الحزب أصدر بياناً أكدّ فيه إن إجراءاته الداخلية لا تميّز سلباً ضد النساء، بل تسعى إلى ضمان وصولهن إلى المناصب التي يردن الترشّح لها، إذا ما اخترن لتمثيل الحزب في الانتخابات الداخلية. وشدد الحزب على أن لديه «أفضل سجل» بين الأحزاب البريطانية في مجال ترشيح النساء، بما في ذلك المنتميات إلى مجتمع السود أو الآسيويات المسلمات أو إلى أقليات أخرى. وكان لافتاً أن تسليط الضوء على الجدل الدائر حول «قمع» المسلمين الذكور للمسلمات الطامحات إلى دور سياسي - اجتماعي، كشف أيضاً أن هذه الظاهرة لا تقتصر على المجتمع المسلم بل هي موجودة أيضاً في مجتمعات أخرى من الأقليات في بريطانيا، حيث «الهيمنة» لا تزال للذكور على الإناث. إذ لم تمر أيام على إطلاق غوهير لمزاعمها ضد المجتمع الذكوري المسلم حتى علت أصوات مماثلة في أوساط السيخيات والهندوسيات اللواتي شكون، بدورهن، من أن ذكور مجتمعاتهن لا يسمحون لهن بدور يتجاوز أن يكون ... زوجة أو ابنة! إنها إذن ليست مشكلة «مسلمين»، بل «هيمنة» مزعومة من مجتمع ذكوري يرفض أن يتخلّى عن سلطاته التقليدية التي تعتبر المرأة أماً قبل أي شيء آخر، ما باتت المجتمعات الغربية تعتبره إلى حد كبير أمراً من الماضي.