أحياناً تجبرنا الظروف على مراقبة الناس، ليس فضولًا بقدر ما هو البحث عن شيء ما خاصة في الصباح الباكر، ولقد أتاح لي الجلوس في الصباح الباكر بانتظار دوري عند الطبيب أن اراقب كادر المستشفى. ولكي يكون لي هدف قررت الابتسامة الصباحية. هذه الابتسامة التي أظن عندما يفتتح الإنسان بها يومه يزيده الله أملا وإشراقا. أبحث عن وجوه تبتسم، تكسب أجرا أنها تتصدق بشيء بسيط جدا ومريح جدا (ابتسامتك في وجه اخيك صدقة) حتى ولو لم تبتسم، إنما على وشك الابتسام، أو ربما طيف ابتسامة، على الأقل وجه سمح. غالبا الوجوه مكفهرة وكانما أجبرت على مغادرة السرير، صيفا وشتاء، في الصيف حيث المكيف وهواؤه الباردة الى الحر والشمس وربما الغبار، الشتاء الدفء والغطاء، والركض دون تناول شيء ربما بعضهم يغادر دون فطور للحاق بالعمل. غالبا الرجال وجوههم أكثر بِشرا من النساء، أو على الأقل متوازنة مع البكور متقبلة الخروج للعمل وعمل يحتك بالجمهور وجمهور من نوع خاص فيحتاج للمسة فرح، علاقة مباشرة بالناس. أتمنى ان اجد وجوها تُشعرنا بالراحة حتى وإن لم تكن الابتسامة واضحة. الأطباء العرب لا يلقون التحية، هم في عجلة من أمرهم فقط طبيب مصري يبتسم ويقول: (صباح الخير). وهو بكامل قيافته، البدلة ورباط العنق والصديري. السعوديات غالبا مكفهرات الوجوه، أو وجه محايد جدا في أحسن الحالات ربما خوفا ان تُضبط على وجهها ابتسامة قد انفلتت. الممرضات الهنديات الشيء ذاته نادرا أرى وجها هنديا باسما لا رجلا ولا امرأة، المبتسمات هن الممرضات الفلبينيات، وغالبا للتو أخذن حماما صباحيا ونثرن شعرهن الأسود الرطب يتراقص على أكتافهن، وتركن للريح تجفيفه فأعاد نشاطهن بعد كسل الفراش ووهبهن فسحة من الراحة. واحدة فقط سعودية مرت وألقت علي السلام، كانت ممرضة منقبة وترتدي فوق ثيابها شيئا يلف رأسها وكتفيها أظنه يدعى جلبابا لعلها تنفذ قول رسولنا الكريم (ليسلّم الماشي على الجالس). الاطباء الاجانب غالبا اذا مروا ألقوا التحية، ولو بتمتمة. موظفو الأمن لا يبتسمون لا هم ولا هن، كأنهم يريدون منا معرفة قدر عملهم وحاجتهم للصرامة طوال الوقت، وخاصة السيدات فهن غالبا يوزعن نظرات الريبة، فهم وهن من يحافظ على الأمن، وغالبا لو اضطررت لسؤال الرجال يصفون لك بدقة وممكن يسير الواحد معك حتى يتأكد من معرفتك للطريق، البنات يؤشرن بأصابعهن غالبا دون صوت. خاصة اللواتي عند المصاعد. غالبا يركض الجميع لآلة البصمة لتسجيل الحضور الصباحي. هذا بعض من مراقبتي الصباحية، وهي مراقبة قد لا تكون من باب: من راقب الناس مات همّا، ولكن من راقب الابتسامة ابتسم، وأنا أحاول جاهدة أن أبدو مبتسمة، وفي بالي قصيدة إيليا أبو ماضي (ابتسم). (قال السماء كئيبة وتجهما قلت ابتسم يكفي التجهم في السما) حتى قلت: ابتسم ما دام بينك والردى شبر فإنك بعدُ لن تتبسما shalshamlan@hotmail.com