يجتمع على حديث الشؤم أمور، تمنع قبوله، وتدفع روايته؛ فأولها مخالفة القرآن الكريم، وهو شيء أشارت إليه عائشة، رضي الله عنها، وثانيها مخالفته ما صحّ من حديث: «لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة» (البخاري ومسلم)، وثالثها إنكار بعض الصحابة له، ورابعها تراجع بعضهم عن روايته هذه الجملة التي عنونت بها المقالة هي رد عائشة، رضي الله عنها، حين سمعت أن أبا هُريرة، رضي الله عنه، يروي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "الطيرة من الدار والمرأة والفرس"، ففي مسند أحمد: "دخل رجلان من بني عامر على عائشة فأخبراها أن أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الطيرة من الدار والمرأة والفرس، فغضبت فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض وقالت: والذي أنزل الفرقان على محمد ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط. إنما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك". وفي رواية أخرى للمسند: "ثم قرأت عائشة: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير). في هاتين الروايتين، ومثلهما في المستدرك على الصحيحين، تتجه عائشة إلى رفض هذا المتن، وتتخذ حجتها من أمرين؛ الأول إنكارها الشديد لرواية أبي هريرة له؛ حتى قالت في رواية مسند الشاميين للطبراني: "لم يحفظ أبو هريرة"، والثاني استنادها إلى كتاب الله تعالى، واتخاذه حجة في رفض هذا المتن واستنكاره؛ وكأنها تقول: كيف يقول الرسول، عليه الصلاة والسلام، قولا يُعارض كتاب الله تعالى؟ هذه المواقف المتعقّبة للرواية في القديم، سواء صدرت من عائشة أم من غيرها، تدلّ على أنّ حفظ الصحابي، ونقله، جائز نقده، ومباح رده، وما في رده، ولا في نقده، نكران للدين، واعتراض على رسوله الكريم؛ فكل ما يجري هو إنكار لرواية هذا الصحابي، ونقد لها، ومن العصمة للصحابي في نقله أن يُغيّب، ويُجعل نقدُ روايته نقدا للرسول، عليه الصلاة والسلام، في قوله، وتعقبا له في تشريعه، وعلى من ينهجون هذا النهج أن يقولوا للصحابة الذين نقدوا رواية أمثالهم مثل هذا القول، أو يكفوا عن الجري وراء هذه التهمة التي يعلمون أول الناس؛ أنها محض تحريض على الآخرين، واتهام لهم بالباطل. ولجوء عائشة إلى كتاب الله تعالى، واتخاذه حجة في إبطال تلك الرواية، منهج علمي سار عليه بعدها أئمة منهم أبو حنيفة، فقد "كان يرد الأحاديث، إذا خالفت معاني القرآن، سواء أكانت مأخوذة بالنص أم مستنبطة باستخراج علل الأحكام، وأنه كان يسمي الحديث شاذا إذا لم يوافق تلك المعاني" (محمد أبو زهرة، أبو حنيفة، 287) وإلى هذا المنهج العلمي قلّت رواية أبي حنيفة للأحاديث، وليس العلة ما يُشاع عنه من جهل بالحديث، واتكاء على القياس. وموقف عائشة وطريقة أبي حنيفة التي عيبت عليه من كثيرين هي النهج الذي تدعو إليه منظومة التحديث حين تتعارض الروايات؛ إذ من قواعد المحدثين حين اختلاف الروايات؛ أن يعمدوا إلى ترجيح رواية على أختها، ومرويّ، حين اختلافه، على أخيه، ولهم في هذا طرائق عديدة، ودروب شتّى؛ منها أن يُرجحوا رواية على رواية بكثرة الرواة، أو بكون راويها أفقه، أو أحفظ، أو أوثق (القاسمي، قواعد التحديث 313). ونحن إذا نقلنا هذه المرجّحات بين الروايات المختلفة، وجعلناها وسيلة في الترجيح بين رواية القرآن الكريم ورواية الحديث؛ لم نجد سبيلا للمقارنة، ولا طريقا يقودنا إليها، فالقرآن مقدم قطعا على رواية المحدثين وإن اجتمعوا عليها! وهذا ما جعل أبا حنيفة يرد الحديث حين يخالف معاني القرآن الكريم، وإن كانت تلك المعاني مستنبطة وليست مأخوذة من النص؛ لأن المعاني المستنبطة وردت في نص؛ روايته أوثق، وحفاظه أكثر، والفقهاء من نقلته أعظم، فلا سبيل أبدا إلى تقديم الحديث، الظني في ثبوته ودلالته، فكيف إذا كان بعض الرواة ينكرون روايته، ويعجبون من نقله، ويتراجع بعض نقلته عنه؟ وتلك كانت قصة حديث الشؤم، شؤم المرأة وغيرها، فقد أنكرته عائشة، وأنكره ابن عباس، ورواه عنه إنكاره الطبري في (تهذيب الآثار). جاء في تهذيب الآثار: "سمعت ابن جريج، يقول: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قلت لابن عباس: كيف ترى في جارية لي في نفسي منها شيء؟ فإني سمعتهم يقولون: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن كان شيء، ففي الربع والفرس والمرأة، قال: فأنكر أن يكون سمع ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أشد النكرة، وقال: إذا وقع في نفسك منها شيء ففارقها: بعها أو اعتقها"، وفي رواية: "فأنكر ابن عباس أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، أو أن يكون الشؤم في شيء". وتراجع أبو هريرة عن روايته التي حُكيت قبلُ، وانتقدته عائشة فيها، ويظهر هذا من مسند أحمد؛ إذ جاء فيه: "سئل أبو هريرة هل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطيرة في ثلاث، في المسكن والفرس والمرأة. قال قلت: إذًا أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل...". وبهذا، وبما تقدّم من مقالات، يجتمع على حديث الشؤم أمور، تمنع قبوله، وتدفع روايته؛ فأولها مخالفة القرآن الكريم، وهو شيء أشارت إليه عائشة، رضي الله عنها، وثانيها مخالفته ما صحّ من حديث: "لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة" (البخاري ومسلم)، وثالثها إنكار بعض الصحابة له، ورابعها تراجع بعضهم عن روايته، وبهذا لم يعد من الخير أن يُصرّ بعضهم على تصحيحه، ويدفعه حرصه عليه إلى مهاجاة الناس فيه، ومعاداتهم من أجله.