المعلم بسبب تركيزه الكبير، على أداء حصته ومادته ومقرره في الوقت المخصص لذلك ضمن جدوله الدراسي، ومحاولته الدائمة للإيفاء بما هو مطلوب منه شرحاً ونشاطاً وامتحاناً، وفق الخطط والأهداف المصوغة من قبل المنهج التربوي للمادة التي تعنيه، يحاول جاهداً إحباط أي محاولة تتسبب في انحراف مسار الحصة الدراسية بشتى الوسائل، ولاسيما من الطلاب المشاغبين، الذين يكثرون الحركة والخروج والكلام والسخرية، والذين رصدهم منذ بداية العام الدراسي ووضعهم في القائمة المزعجة ضمن فئة المشاغبين والمزعجين والمربكين. والمعلمون يتباينون في أسلوب التعاطي مع ظاهرة شغب الطلاب، حسب الخبرة والشخصية والمهارة والأخلاق، فمنهم من يسارع بإيقاف الطالب طوال فترة الحصة، ويطلب منه توجيه جسده كاملاً للجدار، ليضمن بذلك حصول الجو الصحي التعليمي في الصف، وهناك من يلتقط الطالب بجلبابه ويخرجه لغرفة المسؤول الإداري، وما إن يقف المعلم أمامهم حتى يستحضر تاريخ الطالب السلوكي والأخلاقي، ويقوم بعرضه بتفصيل وإسهاب مؤرخا الوقائع والأحداث، ومنهم صنف نما لديه حس المسؤولية وحاول إعمال ذكائه في توظيف قدرة وطاقة الطالب المشاغب بإسناد عرافة ومراقبة الصف إليه، لكن برأيي هذه تحتاج مراجعة وتأمل، فهي حل قديم لا يناسب حال اليوم، وذلك بسبب استغلال كثير من الطلاب نفوذهم وقوتهم وثقة معلمهم في تصفية الحسابات وإلحاق الضرر ببعض الطلاب الذين لا يوالونهم وليسوا على منوالهم. والحلول السابقة، مع اختلافها في التأثير وقدرتها على إنهاء زوبعة وإزعاج الطالب المشاغب، لكنها ضعيفة الجدوى في كسب الطالب وتوظيف ملكاته ومهاراته ومواهبه، فما الفائدة المرجوة من إيقاف طالب حصة كاملة، بل سيعتاد ذلك، ولا أدل على ذلك من أني حين كنت في الصف السادس ابتدائي وفي مدرسة كانت مليئة بالطلاب المشاغبين والمتباهين والمستعرضين كنا نقتبس منهم قوتهم في فتح أيديهم أمام المعلم ليضرب حتى يتوقف المعلم عن الضرب دون إرجاع اليد أو إظهار التوجع من الضرب، ونراها علامة على قوة وشجاعة وفتوة ذلك الطالب، وكنا نقلدهم لنكتسب شهرة ووجاهة مثلهم بين الطلاب. شغب الطالب فرصة ثمينة، في معرفة ميوله ومواهبه، وذلك بإشراكه في قراءة الدرس وإسناد مهمة شرح أجزاء منه أمام زملائه، وإسناد بعض الواجبات والأنشطة غير الصفية إليه، ومحاولة تعزيز ثقته بنفسه، وإشعاره بأهميته، فهو يبحث عن توكيد ذاته وإظهار شخصيته اللافتة، وأختم بتصريح مهم لإحدى المشرفات، تقول في حديث لها عن الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي "إبداع": إن 70 % من الطلاب الذين يعدون عند معلميهم من المشاغبين هم من الموهوبين.