قبل أكثر من 146 سنة، وبالتحديد في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1869، افتتحت مصر في عصر الخديوي إسماعيل قناة السويس التي زادت من الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر وجعلت منه صلة الوصل بين المحيط والبحر المتوسط، وكان ذلك حدثاً جيوسياسياً تخطى بأهميته الجغرافيا المصرية إلى العالم بأسره، فأحدثت القناة تطوراً كبيراً في حركة التجارة العالمية التي كانت تشهد ازدهاراً غير مسبوق بسبب الثورة الصناعية، وأصبحت معبراً استراتيجياً بين آسيا وأوروبا، وواحداً من أهم المعابر البحرية في العالم، وتشكل إيراداتها مصدراً رئيساً للخزينة المصرية حتى بلغت في العام المالي 2013 - 2014 نحو 5.3 بليون دولار بزيادة نسبتها 5.5 في المئة مقارنة بالعام المالي السابق. العام 2014 كان عاماً استثنائياً ووصف بأنه العام الأفضل في تاريخ القناة لجهة الإيرادات التي بلغ حجمها 5.465 بليون دولار، وهي قيمة الرسوم المحصلة من السفن العابرة والتي بلغ عددها 17148 سفينة. وعلى رغم ارتفاع عدد السفن المارة في القناة عام 2015 بنحو 335 سفينة إلى 17483 سفينة، وزيادة حمولاتها الصافية بنسبة 3.7 في المئة إلى 998.7 مليون طن، تراجعت إيراداتها بنسبة 5.3 في المئة إلى 5.175 بليون دولار، أي بنحو 290 مليون دولار، وذلك لثلاثة أسباب رئيسة: أولاً: انخفاض الأسعار العالمية للنفط بنسبة تجاوزت 65 في المئة، نتيجة انعكاس ذلك على حركة مرور الناقلات وقيمة الرسوم المحصلة. ثانياً: تباطؤ حركة التجارة العالمية مع تراجع معدل النمو الاقتصادي، خصوصاً الاقتصاد الصيني الذي سجل فقط 6.5 في المئة عام 2015، مقارنة بمعدلات فاقت مستوى 10 في المئة في سنوات سابقة، موضحاً أن النقل البحري يعد العمود الفقري لحركة التجارة العالمية. ثالثاً: ارتفاع قيمة الدولار أمام حقوق السحب الخاصة، وهي العملة المتعامل بها في تسديد رسوم المرور في قناة السويس، وأدى ذلك إلى انخفاض قيمة هذه الرسوم بسبب تراجع قيمة الحقوق بنسبة 7.6 في المئة في 2015. ومع الأخذ في الاعتبار التحسن الذي طرأ على إيرادات القناة في كانون الأول (ديسمبر) 2015 والبالغة 429 مليون دولار بزيادة 21 مليوناً عن تشرين الثاني (نوفمبر)، يتوقع أن يكون عام 2016 أفضل من العام الماضي، خصوصاً انه سيشهد سلسلة تطورات مهمة، تبدأ بمؤتمر عالمي سيعقد من 22 إلى 24 شباط (فبراير) الجاري في القاهرة تحت شعار «قناة السويس... الفرص والتحديات»، ويهدف إلى تسويق فرص الاستثمار في محور القناة ومناقشة المشاريع المستقبلية ودورها في خدمة الطرق البحرية والبرية المختلفة على مستوى العالم، وسيتم التركيز على الاستثمارات المتاحة من دول الخليج خصوصاً من السعودية والكويت والإمارات، ويتوقع المراقبون ان تزيد استثمارات المشروع على 100 بليون دولار، وان يتم تنفيذه على مرحلتين الأولى من العام الحالي حتى 2030، والثانية حتى 2045. وسبق للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ان افتتح في 6 آب (أغسطس) 2015، وبحضور بعض رؤساء دول العالم «قناة السويس الجديدة»، بعد اكتمال المشروع خلال فترة قياسية لم تتجاوز السنة، وهو مشروع ضخم يتعلق بازدواج القناة بما يسمح بمرور 97 سفينة يومياً بحلول 2023 مقارنة بـ 49 سفينة حالياً. وسيسمح هذا الشريان المائي العالمي بسير السفن في الاتجاهين، ويقلل من ساعات الانتظار، وتشير التقديرات إلى زيادة مرتقبة في الإيرادات لتبلغ 13.2 بليون دولار سنوياً في العام 2023، فضلاً عن استثمارات ضخمة في مشاريع متعددة ومتنوعة، تجارية وصناعية وموانئ وخدمات مختلفة. تبرز أهمية هذا المشروع العملاق في كونه يشكّل إنجازاً ستنعكس نتائجه على مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليس في مصر وحدها، بل سيخلق صرحاً اقتصادياً مهماً في المنطقة العربية، وسيفتح آفاقاً من التعاون الاقتصادي والاستثماري بين مصر وسائر دول العالم العربي، بما يعزز مسيرة التكامل بين الدول العربية، ويبرز دورها المحوري في الاقتصاد العالمي. كذلك يأتي هذا المشروع الاستراتيجي بعدما دخلت مصر عصر النهضة برؤية المستقبل،عمادها الإنسان، وذلك مع مسيرة تنفيذ عقود ومذكرات التفاهم التي تم إقرارها في مؤتمر شرم الشيخ الذي انعقد بين 13 و15 آذار (مارس) 2015، ووضع مصر في الربع الأخير من السنة المالية 2014 - 2015 على خريطة الاستثمار العالمية. كاتب متخصص بالشؤون الاقتصادية