نَعَتْ وزارة الثقافة الفلسطينية الكاتب والروائي سلمان ناطور الذي توفي عن 67 عاماً، وكان حدّد المحطات الشخصية في عمره حين قال: «ولدتُ بعد حرب 1948 ودخلتُ المدرسة في حرب حزيران (يونيو) وتزوجتُ في حرب تشرين (اكتوبر) ومات أبي في حرب الخليج، وولدَتْ حفيدتي سلمى في الحروب المشتعلة في غير بلد عربي». آخر الحرّاس التاريخيين للغة العربية وأدبها في إسرائيل، رجل سخرية وصِدَام، وفي إنتاجه الغزير في المقالة والقصة والرواية والمسرحية وأدب الأطفال والترجمة (عن العبرية) رسالة رئيسية هي التمسُّك بالثقافة العربية الفلسطينية علامة انتماء الى وطن محتل سيحقّق حريته في زمن يقصر أو يطول. وبغياب سلمان ناطور تحضر من غيابها أسماء توفيق زياد وأميل حبيبي ومحمود درويش الذين كانوا، مع قلة آخرين يتقدّمهم إميل توما، يخوضون صراعاً ثقافياً مع احتلال لم تضبطه أعراف أو قوانين ولم يتورّع عن اجتياح اللغة بعدما اجتاح الأرض والبيوت والسكان. وإلى هذه الأسماء يستند عرب إسرائيل اليوم بنُخبهم التي توصّلت الى تشكيل درع سياسية وثقافية صعبة الاختراق، في الكنيست وخارج الكنيست. أحدث نتاجات ناطور «هي وأنا والخريف» التي تندرج في سياق الرواية الفلسطينية الناهضة في الأرض المحتلة وخارجها، ومع رمزية روايته يحتفظ ناطور بنسقه الكتابي القائم على إيجاز السرد ونقل الواقع في صيغتيه الملموسة والمتخيّلة. وهو هنا يعبّر، عبر شخصيات واقعية وخرافية، عن صدمة الفلسطيني بالاحتلال وتمسُّكه بالهوية. حرر سلمان ناطور الملحق الثقافي لجريدة «الاتحاد» ومجلة «الجديد» الثقافية في حيفا، ومجلة «قضايا إسرائيلية» الصادرة في رام الله، وشارك في إنشاء مؤسسات سياسية وثقافية واجتماعية، من بينها «اتحاد الكتّاب العرب» و «لجنة الجديد للسينما الفلسطينية» التي أنتجت الفيلمين الفلسطينيين الأولين في أرض 1948، و «جمعية تطوير الموسيقى العربية» و «مركز إعلام المجتمع الفلسطيني في إسرائيل» و «حلقة المبدعين العرب واليهود ضد الاحتلال ومن أجل السلام». والواقعية في أدب ناطور ليست مجرد اختيار أدبي كعادة اليساريين، إنما هي جزء من سيرة ونضال، ووصفه الواقع الفلسطيني هو في جانب منه عملية تسجيل وسيرة ذاتية في مكان وزمان معينين، لذلك يتقدّم أدبه كشهادة وطنية واختيار سياسي. وفي ما يتعدّى السرد، لجأ ناطور الى المسرح والكتابة للأطفال طلباً للتفاعل مع الجمهور ولتقديم الذاكرة إلى رجال المستقبل الفلسطيني ونسائه. هذا النهج لفت نظر سلطات الاحتلال، فبعد صدور روايته الأولى «أنت القاتل يا شيخ» حُكِم سلمان ناطور بالإقامة الجبرية لفترة، كما مُنِعت مسرحيته «المستنقع» بطريقة دراماتيكية حين شنت الشرطة هجوماً عطّل عرضها الأول في «المركز الثقافي» في الناصرة. ابن دالية الكرمل التي دُفن فيها أمس هو ايضاً ابن حيفا التي يفتخر بكونها منارة فلسطين الثقافية قبل إنشاء دولة إسرائيل. وتمسّك ناطور مع 3 آلاف عربي في حيفا بتراث المدينة شهادة للعالم على حضارة الشعب الفلسطيني الذي احتُلَّ وطنه بدعوى أنه «أرض بلا شعب».