لطالما أشارت توقعات المستثمرين إلى احتمال وصول موجة خصخصة الأصول الحكومية، إلى اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي لتفتح الباب واسعاً، على مليارات الدولارات أمام الاستثمار الأجنبي، وذلك على خلفية رجوح تخمينات تفيد بأن بعض حكومات المنطقة تدرس التصدي لتأثيرات انخفاض أسعار النفط من خلال استثمار ثرواتها الهائلة غير المستخدمة. فقد مُنيت الميزانيات الحكومية بالتبعات السلبية لتراجع أسعار النفط بنحو 70% خلال الثمانية عشر شهراً الماضية، ما دفع معظم حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى التفكير في طرق لسد عجز ميزانياتها عبر إجراء إصلاحات اقتصادية تساعدها على خفض النفقات، وهذا يشمل رفع الدعم الحكومي عن الوقود والخدمات العامة، وخفض الإنفاق الحكومي، فضلاً عن تطبيق خطة فرض ضريبة القيمة المضافة وضريبة دخل الشركات خلال عامي 2017 و2018. بيد أن تلك الحكومات تتحرى أيضا سُبلاً لجمع رأس المال، فهي تحتاج إلى مواصلة الإنفاق على المشاريع الأساسية التي ستساعدها على دعم عجلة النمو الاقتصادي، في قطاعات مثل الرعاية الصحية والإسكان والتعليم. وبينما يُشاع أن صناع القرار في المملكة العربية السعودية يدرسون خيارات إدراج عملاق النفط أرامكو السعودية الحكومية التي تُقدر أصولها بين 1.5 ونحو 5 تريليونات دولار، هناك كلام آخر أثار أيضاً الحماس في الأسواق، عن أن البورصة السعودية (تداول) والمؤسسة العامة للحبوب ومطاحن الدقيق السعودية تدرسان فكرة طرح أسهمهما للاكتتاب العام. وفي الوقت الذي تركزت فيه معظم التوقعات المتعلقة بعمليات خصخصة محتملة، على المملكة العربية السعودية، لمحت كل من سلطنة عمان والبحرين إلى احتمال طرح بعض مؤسساتهما الحكومية في أسواق المال. وفي عمان، تنضم الشركات المملوكة للحكومة إلى المؤسسات المرشحة للحاق بقطار الخصخصة عبر مجموعة واسعة من القطاعات والتي منها الشركة العمانية لإدارة المطارات والطيران العماني وشركة النفط العمانية للمصافي والصناعات البترولية (أوربك) وبريد عمان بالإضافة إلى مؤسسات توليد الطاقة. والأمر مختلف تماماً في ثلاث دول خليجية أخرى، تحديداً الإمارات وقطر والكويت، ويرجع ذلك إلى استقرار وضعها المالي، ولا عجب أنها خارج دائرة توقعات اللجوء إلى الخصخصة كحل بديل. وتقف هذه الدول الثلاث على قاعدة صلبة مدعومة بأصول مالية ضخمة من استثمارات واحتياطات محلية وأجنبية تراكمت على مدى الأعوام العشرة السابقة، وهو ما أسهم في ترسيخ مكاناتها الاقتصادية. وتُعد هذه الاحتياطات مصادر رأس مال متوافرة وهو ما يجعل من هذه الدول قادرة على مواجهة التحديات الناجمة عن تراجع عوائد النفط. وبالنظر إلى حجم هذه الاقتصادات الثلاثة وعجز موازنتها الذي ارتفع في العام 2015 (علماً بأن نسبة العجز من إجمالي الناتج المحلي صغيرة)، سنجد أنها أقل بكثير مقارنةً بالمملكة العربية السعودية (التي سجلت خلال العام 2015 عجزاً كبيراً في ميزانيتها بلغت قيمته 98 مليار دولار أمريكي بنسبة 15% من إجمالي الناتج المحلي، والذي من المتوقع أن ينخفض إلى 87 مليار دولار أمريكي في العام 2016). وعموماً، سيكون وقع الضرر على هذه الدول أخف وحجم عجزها أصغر بحيث يمكن تدبره، وبالتالي ليس متوقعاً أن تلجأ إلى خصخصة شركاتها ومؤسساتها العامة في المستقبل القريب. ويُقدر حجم الثروة السيادية والاحتياطات الأجنبية التي تمتلكها المملكة العربية السعودية، تحت إدارة مؤسسة النقد العربي السعودي، بقيمة 650 مليار دولار أمريكي، وهي بأية حال ليست كافية لتعتمد عليها المملكة في ظل استمرار فترة انخفاض أسعار النفط وارتفاع معدل إنفاق الحكومة السعودية الحالي. وفي هذا الصدد، يتوقع صندوق النقد الدولي أنه من المرجح أن تستنفد المملكة احتياطاتها المالية في غضون بضع سنوات ما لم تتخذ تدابير أخرى وتجري تغييرات ملموسة على خطط الإنفاق العام. ومن شأن هذه الخطوات أن تجعل القضية الأكثر إلحاحاً أمام صناع القرار في السعودية هي إيجاد سبل أخرى للتمويل في ظل فترة انخفاض أسعار النفط. وستبقى الخصخصة حلاً يأتي على رأس أولويات أجندة المملكة الداخلية في المستقبل القريب. المدير التنفيذي لدائرة إدارة الأصول في شركة أبوظبي للاستثمار