في الطابق السفلي، وعلى الكرسي المغبر كان يجلس حارس تابع لداعش، لكنه الآن فارغ تماما ولا يسمع فيه سوى صوت قطرات الماء، ولا آثار سوى تلك التي تركها الأسرى على الجدران. السجناء كانوا على مرمى حجر من الأمان في الطابق السفلي من مبنى إداري قديم، في بلدة تل أبيض بمحافظة الرقة، بالقرب من الحدود التركية. قرب السجن من الحدود جعل من الصعب استهدافه من قبل الحكومة السورية، فضلا عن أنه مكان طبيعي لاحتجاز المهربين واللاجئين والمقاتلين الذين يمرون من هناك. في المقابل واجه السجناء أحلك الانتهاكات التي مارسها داعش ضدهم، حيث كان صراخهم على مسافة بسيطة من حرس الحدود والحياة الديمقراطية في تركيا. تم تخصيص أكبر غرفة في الطابق السفلي للمحكوم عليهم بقطع الرأس، وفي إحدى الزوايا كدست المصاحف على جهاز التدفئة، أمر السجناء بقراءتها بانتظار دنو المصير. وأبقي على السجناء في غرف صغيرة في آخر الممر، حيث كتبوا أو حفروا على الجدران "أطلب المغفرة من الله"، و"الله أيضا رحيم". منهم من كتب اسمه، ومنهم كتب إحصاءات للدلالة على المدة التي قضاها في السجن، وأحدهم توقف عند 46 يوما. والكثير منهم تركوا أرقاما للهواتف. وقام موقع "بازفيد" بتجربة الأرقام الموجودة على الجدران، معظمها كان مفصولا، إلا أن رجلا أجاب على أحدها قائلا "كيف حصلت على هذا الرقم؟". وبعد التعرف عليه، قال الشاب (26 عاما)، "تم إحضاري إلى السجن الربيع الماضي مع أبي، كنا نعمل مزارعين في تل أبيص، لكن الحرب دفعت بنا للعمل بتهريب السجائر، لا يمكنني أن أنسى تلك الفترة أبدا في السجن". وأوضح الشاب الذي لجأ إلى جنوب تركيا "كنت موقنا بأني سألاقي حتفي هناك، وأضفت رقمي إلى الأرقام المكتوبة على الجدران، ليقوم أحد بإبلاغ عائلتي بذلك". واستحضر الشاب ذكرياته الأليمة في ذلك السجن، كيف كان يخاف من المسلحين ومناقشتهم، وكيف كانوا يضربونه ويجبرونه على حضور محاضرات لنسخة متطرفة من الدين، وأكد أنه كان يأكل وجبة واحدة باليوم، وهي وجبة صغيرة جدا في المساء. وقال الشاب إنه كان "يسمع صوت السجناء في الغرف المجاورة يصرخون كلما تعرضوا للضرب، وهم في المقابل يسمعون صوتي حين أتعرض بدوري للضرب"، مضيفا أن "كل تفكيره كان معلقا بالحرية القريبة على الحدود". ولم يصدق الشاب أنه حر الآن، بعد أن قامت وحدات حماية الشعب الكردية بتحرير المدينة من داعش، وإطلاق سراح السجناء.