في العالم الافتراضي حيث يتحرك ملايين الناس عبر حسابات وصفحات تشهد كل يوم تدوينات وتغريدات وأفكاراً وصوراً وطرح قضايا وخلافات وصراعات بلا عدد، هناك في العالم الذي يقال أو يوصف بأنه افتراضي وغير حقيقي، تدور رحى معارك طاحنة بكل معنى الكلمة، معارك لا تقل حدة وخطورة عن تلك التي تحدث على الأرض في بعض بلاد العرب.. وليس جديداً إن قلنا إن كثيرين وكثيرات ممن يشعلون تلك المعارك هم من تلك البلدان المشتعلة بالحروب أصلاً، والذين يعانون كثيراً لكنهم لا يعرفون الطريق على ما يبدو للخروج من النفق! في القمة العالمية للحكومات والتي أنهت أعمال ملتقاها الرابع في دبي نهاية الاسبوع الماضي، قيل الكثير عن العالم الافتراضي، عن الإعلام والاقتصاد والنقود الافتراضية، عن يوم مقبل سيقترب فيه الافتراضي من الواقعي ليشكلا عالماً واحداً، القمة ومتحدثوها وحضورها كانوا يناقشون المستقبل، بل مستقبل المستقبل، بينما أعداد لا تحصى من سكان البلاد العربية لا تزال ترزح تحت وطأة الحروب ومخلفاتها، والأنظمة الديكتاتورية وأمراضها، والفقر والجهل، والخضوع لعقليات إدارية عفا عليها الزمن، للإيمان بنظريات المؤامرة وتغييب المنطق في التحليل والتفسير وتغييب العقل عند الحكم على الأمور وافتعال المعارك الوهمية للهروب إلى الأمام خلاصاً من مآسي الواقع. هذا الواقع البائس بكل أفكاره الكبيرة غير الصالحة وبسردياته السياسية التي ما عادت مناسبة للمستقبل ولثورات التكنولوجيا سيتغير حتماً، لا بد من أن يتغير ولا حل آخر، ولكن الذكاء والحكمة أن نغيره بيدنا من أن نترك الآخرين يغيرونه بقنابلهم وصواريخهم وحروبهم القذرة. أن نتغير وأن نتطور ونتقدم ونخطط لما بعد المستقبل، أمر مهم ليس فيه ما يعيب، الخطأ حين نجلس متفرجين نحسد هذا ونحقد على ذاك بكل كسل وتقاعس، لقد عد الحقد والكسل من الخطايا السبع المميتة في الديانات كلها، أما تحميل كوارثنا على الآخرين واستغلال الإعلام الرقمي لبث الشائعات والتقولات حول دور هذه الدولة في ما يحصل في ليبيا، ودور تلك في ما يحصل في سوريا أو اليمن... فهو الخطأ القاتل فعلاً! على صفحات التواصل الاجتماعي يتطاحن أبناء أمة واحدة مطلقين سيلاً من الاتهامات والشتائم والتهكمات التي لا تدل إلا على نفسيات مأزومة بواقعها السياسي والاقتصادي تجتهد لتوظيف الإعلام الرقمي بشكل غير واعٍ أبداً، خدمة لجهات معروفة تعمل على توسيع الفجوة والخلافات بين أبناء الأمة ليبقوا في مكانهم، ولتظل تهمة التخلف تلاحقهم الى الأبد. نحن في الإمارات قلنا لا بالصوت العالي للتهمة، ولكل محاولات منعنا من الذهاب صوب مستقبل المستقبل.