×
محافظة المنطقة الشرقية

المخابرات الأميركية: داعش استخدم الكيمياوي مرات عدة

صورة الخبر

يقف حاسر الرأس هادئا على حافة سفح جبلي، يحدق في وجه الزمن العابر الذي لا يلين ولا يفنى، تغمره لذعة الشجن والنوح الدامي، تشم في جدرانه أنفاس الأرواح المتعبة والمكابدة، وترف في عرصاته رائحة الذكريات ورفيف الحنايا، تصحو تحت سقوفه جمرة الفرح الغائب وهمهمة النشيج الواهن، تقرأ في نوافذه الصبوات الحارة وجلجلة الأجساد الريانة المقبلة ذات يوم على الحياة وأعراس التراب، مسكون بالحلم محكوم بالوقار والأمل مشدود إلى الأرض الذي نبت جسده من طينها، وسقوفه من "جراعها" و"كتره" من أخشابها وربضه من أكتاف جبالها، وأبوابه من ذؤابات جذوعها الخضراء، يتوق إلى عودة الراحلين ليحتفي بهم كما يحتفي المدى بالطيور العائدة من السفر، وكما تحتفي سنابل القمح بسلال المطر، لا يزال يصيخ سمعه إلى رميم حكاواهم ويقظة صباحاتهم وبشارات مواسمهم، وأفاويق طروقهم وعناقيد "حبلانهم" وقطيع شياههم وضربات محاريثهم، وغناء سواقيهم وشغف أكفهم العاشقة والمغرمة بالطين والعمل، عبرتُ من أمامه مثقل الخطى، أبصرت على وجهه غلالة من الوحشة وأسارير الوجع، مدنف الهامة كأنه يبحث تحت قدميه عن أيام الصبا الراحل، وهديل العمر والأماني المطفأة، سألته هل تشعر بالشيخوخة والضجر بعد أن تركوك ومضوا للبلاد البعيدة ؟ قال: لم أحفل بعربات الزمن وأنيابه، فما زلت كما ترى كهلا لم يمسه الشيب، وجبلا يتنفس كالكائنات، وشجرة "أثل" لا تموت ولا تهرم، قلت: هل صحيح أنك "عمارة بلا معماريين" ؟ قال وقد غمره الزهو الباذخ: نعم فبنائي وتصميمي يعتمد على العمارة الطينية ذات الخصائص الجمالية والأدوات الهندسية، المؤدية لوظائفها الإنشائية والنفعية من خلال الشكل الهيكلي والكتل الزخرفية ومساقط الضوء والفراغ الحر، والتقنية اللونية والصباغية وظروف التوازن المعيشي ضمن نظام غير عشوائي، ولكن المادة الأساسية لي هي "الطين" من خلال "المخلابة" وهي تحضير الطين وخلطه بـ"الحثا" التبن ، ودوسه حتى يتماسك ويغمر بالماء ليوم وليلة بصورة تشبه الوعاء، فإن لم يتسرب الماء أو ينقص أصبح مادة صالحة للبناء تشده رقائق صوانية تسمى "الرقف"، توضع على الجدران من الخارج لتحميني من الأمطار علاوة على كونها تمثل زخرفة معمارية جمالية، إنني أحتوي المكان والمكان يحتويني، وسؤالي الجارح لماذا لا تتقمصون شكلي التقليدي، وخصوصيتي البصرية في العمارة المحلية، وتستلهمون شخصيتي المعمارية القابلة للحياة والمستقبل؟ بما أمثله من مخزون تراثي وسياحي واستدعاء للذاكرة التاريخية، لقد أسرفتم في حداثة البناء تحت هيمنة وسطوة الثقافات المعمارية والتغريبية، مما أربك ولوث المشهد البصري في أحيائكم، بل لم تحاولوا استلهامي أو المقاربة بين تراثي وحداثتكم في عمارتكم المعاصرة، سألته كم تبلغ من العمر يا سيدي؟ ضحك حتى اهتزت مداميكه قائلا: عمري يتجاوز عمر أميركا، وما زلت واقفا كأصلاب الرجال!.