نحن نعيش في وعاء اجتماعي ناقل أقاويل وحينما تقف على هذه الظاهرة تصل إلى موقفين متطرفين، إما أنه باحث عن البلبلة (وهذه لها تجويفات ومقاصد أظهرتها الفتن التي حلت بالدول المجاورة) وإما أن يكون الناقل مهذارا ولا يرى في ما ينقله من قول أي ضرر على المجتمع أو الأفراد، وفي الحالتين فالمعطى انتشار الأقاويل في كل زوايا المجتمع بما لا يولد وعيا أو فهما لكل التراكمات القولية، فتكون المحصلة ترسخ الأكاذيب والادعاءات والآراء التي من الممكن نقضها بآراء مضادة، إلا أن الاستسلام لكل ما يقال يجعل نقضها صعبا للغاية. وتأتي مقولات بعض الشخصيات العامة (ذات الصبغة الاعتبارية) معرقلة ومربكة لحركية المجتمع والدولة معا، وقد مررنا بمثل هذه المقولات التي صنعت زوبعة وتجاذبا بين أطياف المجتمع لا يزال بعضها يحدث الفرقة والتنابذ، فمعركة الابتعاث ومعركة معارض الكتاب ومعركة رجال الحسبة ومعركة اختيار شخصيات نسائية في مجلس الشورى، ومعركة (الكاشيرة) ومعركة الاختلاط ومعركة عضوية المرأة في مجلس الشورى ومعركة تدخل الهيئة في حياة الناس، معارك لا حصر لها كان مبعثها مقولة لشخصية اعتبارية يرددها الأتباع وينفخون فيها فتظهر زوابع الفناجين، وكل يوم لنا زوبعة في فنجان. ومبعث تلك المعارك اللفظية شرارة انطلقت من فم أحد الشخصيات الاعتبارية كرأي يمكن الرد عليه (قولا بقول)، إلا أن الأمر في مجتمعنا يأخذ صيغا أخرى كصيغ التأليب واعتبار كل ما يحدث في الكون -أو في البلد- هي عملية هدم ويأخذ ذلك الرأي حدته إزاء ما تفعله الدولة في تحريك عجلة المجتمع فيتم إدخال تلك القرارات أو المشاريع من باب التغريب، وكأن هذا (المؤلب) عندما يستخدم جهاز الكمبيوتر هو يستخدم منتجا إسلاميا، إذ أن التقنية التي نستخدمها هي تقنية تغريبية هدامة. إن مفهوم الوجود أن تكون منتجا ذا أثر فاعل في الحياة هذا إذا كنت فردا فكيف حالك إذا كنت أمة؟. وللأسف لم نفلح في إنتاج شيء يذكر حتى أن ملابسنا الداخلية تصنع في عواصم العالم التغريبي، ومن هنا يمكن القول إن كل منتج تقني هو ابن ثقافته فإن سمحت لنفسك استخدام كل التقنيات التغريبية فأنت بالضرورة تستهلك ثقافة هذا المنتج.. هذا إذا أردنا التبسيط، أما قضية التغريب فهي الحجة الواهية التي اتخذها البعض لإيقاف الحياة في كل مكان. ولو أن الدولة انقادت لمثل هذه الآراء - منذ وقت مبكر - لبقيت حياتنا مظلمة، والظلمة تكون في الأفعال والأقوال أيضا، وكما يمارس «داعش» ظلمة الفعل فهناك دواعش لظلمة الآراء، فكثير من الآراء معتمة لدرجة تشعرك أن قائلها خارج الزمن «ومطفي الأنوار» في ليل حالك. والكارثة ان الأتباع صم عمي يسيرون في متون هذه الآراء فتتولد لدينا زوابع صحارى عقول خاوية.