×
محافظة مكة المكرمة

دورة بوينوس ايرس: نادال يستهل حملة الدفاع عن لقبه بنجاح

صورة الخبر

في الوقت الذي تسيطر فيه الانقسامات السياسية والعسكرية على ليبيا، وتزداد درجة الخلاف حول تشكيل حكومة الوفاق الوطني عموماً، وحول حقيبة الدفاع داخلها بشكل خاص.. في هذا الوقت، نفسه، تشير الدلائل والتصريحات الصادرة عن القيادات السياسية والعسكرية الغربية، في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، إلى تزايد الاحتمالات الخاصة بعمل عسكري على الأرض الليبية. مع بداية العام الجاري، تصدرت ليبيا أولويات الاهتمام الإعلامي الغربي، بل تصريحات المسؤولين الغربيين، سواء السياسيون منهم أو العسكريون، وذلك من حيث إن هذه الساحة أصبحت تمثل، بالنسبة إلى الغرب، كما بالنسبة إلى المحيط الإقليمي والعربي ، مصدراً لخطرين رئيسيين: أحدهما، يتمثل في تمدد تنظيم داعش، وتزايد أعداد عناصره؛ في حين يتمثل الآخر، في التدفق غير المسبوق للهجرة غير الشرعية تجاه أوروبا، خاصة أن ليبيا، التي تقترب حدودها من حدود أوروبا، لا تمتلك المقدرة على مراقبة حدودها التي تمتد لآلاف الكيلومترات. رغم التسريبات الإعلامية الغربية التي تؤكد أن هناك تجهيزا جادا لعمل عسكري وشيك ضد داعش في ليبيا، فإن تصريحات المسؤولين الغربيين تشير إلى أن ثمة اختلافًا في المواقف من مثل هذا التدخل. إذ، لنا أن نلاحظ، من جانب، تصريح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، حول: أن هناك حاجة لتحرك عسكري حاسم لوقف انتشار تنظيم داعش في ليبيا، خاصة بعد إشارته إلى أن: التنظيم يريد أن يستغل ليبيا ؛ لتكون منصة لتنسيق الأنشطة عبر إفريقيا. أيضاً، هناك تصريح وزيرة الدفاع الإيطالية، روبرتا بينوتي، حول: أن روما نشرت قطعاً بحرية وغواصات أمام ليبيا، لحماية مصالح شركة إيني، هذا، رغم اعتراف وزير الخارجية الإيطالي، باولو جينتيلوني، بأن: الوقت يضيق لتحقيق الاستقرار في ليبيا، لكن ليست هناك أي عجلة للتدخل، لا من قبلنا ولا من جانب المجتمع الدولي. ومثلما يبدو أن هناك اختلافاً ظاهرياً بين تصريح وزيرة الدفاع الإيطالية، ووزير خارجيتها.. بدا، أيضاً، أن هناك اختلافاً ظاهرياً بين تصريح رئيس هيئة الأركان الأمريكية، وبين وزير خارجيته. فقد أوضح جون كيري، خلال مؤتمر روما، الذي عقد لأجل مواجهة تنظيم داعش في ليبيا، أن: الرئيس باراك أوباما أعلن منذ البداية أنه لا ينوي إرسال قوات إلى هذا البلد، وأن الأمر ينسحب على العراق وسوريا. وعلى نفس المنوال، صرح وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، بأنه: من غير الوارد التدخل عسكريًا ضد داعش في ليبيا أما وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، فقد أكد دعم الحكومة الليبية الجديدة، مستبعداً نشر قوات على الأرض. وفيما يبدو، هكذا، فإن الاختلاف، هنا، بين السياسيين والعسكريين.. وهو اختلاف، كما أشرنا، ظاهري، لأن تصريحات السياسيين تكون في معظم الأحوال أكثر دبلوماسية من العسكريين. هذا، فضلاً على أنه في الوقت الذي تأتي فيه مثل هذه التصريحات من السياسيين (وزراء الخارجية الغربيين)، فإنه، في الوقت نفسه، تتحدث تقارير إعلامية غربية عن استعدادات لإرسال قوات إلى ليبيا، وتوجيه ضربات عسكرية ضد داعش هناك، خاصة في مدينة سرت، المعقل الرئيسي للتنظيم. وأياً يكن الأمر، فإن تحديد أي من التصريحات هو أقرب إلى الصحة، إنما يتوقف على الأهداف الحقيقية التي تسعى الدول، الغربية تحديداً، إلى تحقيقها. هنا، لنا أن نلاحظ، من جانب آخر، أن ثمة عدداً من الأهداف تسعى الدول الغربية إلى تحقيقها في ليبيا.. من أهمها: رغبة القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة في تأمين مصادر إنتاج النفط والغاز الليبيين، وشبكات نقلهما، بما يتماشى مع المصالح الغربية، وهو الأمر الذي أعربت عنه بوضوح وزيرة الدفاع الإيطالية، فيما يتعلق بشركة إيني. أضف إلى ذلك، الرغبة الغربية عموماً، والأوروبية خصوصاً، في إغلاق الساحل الليبي أمام وجود أي تنظيمات مسلحة، وتحديداً داعش والقاعدة، في محاولة لتأمين جنوب أوروبا، خاصة إيطاليا وفرنسا، من أي محاولات قد تقوم بها هذه التنظيمات بهدف تهديد سواحل الدول الأوروبية، أو المسارات الملاحية في جنوب ووسط البحر الأبيض المتوسط. من هنا، يأتي الاهتمام بتحجيم التطور المتوقع في تحركات داعش، عقب التطورات العسكرية الميدانية في سوريا والعراق، ومن ثم، محاولة منع التنظيم من الحصول على نقطة ارتكاز جديدة في ليبيا، تكون بديلًا عن تواجده هناك. هكذا، تبدو بوادر فتح جبهة قتال جديدة في ليبيا، من منظور أنها المرتكز في منطقة شمال إفريقيا العربية. إذ، مثلما تمثل ليبيا ساحة استراتيجية بالنسبة إلى تنظيم داعش، فهي كذلك، أيضاً، بالنسبة إلى الغرب.. فهي، بالنسبة إلى كليهما، أرض خصبة من منظور وفرة مواردها، التي يأتي في مقدمتها النفط، إضافة إلى موقعها الاستراتيجي بالنسبة إلى شمال إفريقيا، وجنوب أوروبا. إذ، لنا أن نلاحظ أن وتيرة الحديث عن خطر داعش في ليبيا، لم تتصاعد إلا بعد هجمات التنظيم الأخيرة على المنشآت النفطية، قرب مرافئ السدرة ورأس لانوف والبريقة، في منطقة الهلال النفطي على الساحل الشرقي للبلاد. هنا، تتبدى خطورة تصريحات المسؤولين العسكريين الغربيين: ليس، فقط، من حيث كونها تُعبر عن توافق غربي حول ضرورة التدخل عسكريًا في ليبيا.. لكن تتبدى خطورتها، أيضا، مع تواتر الأنباء عن وصول فرق عسكرية أمريكية وبريطانية وروسية إلى ليبيا. بل، تتبدى جدية العزم الغربي على التدخل العسكري في هذا البلد، مع اعتراف الولايات المتحدة (في نهاية يناير الماضي)، بإنزال قوات محدودة في ليبيا. وهنا، ربما لا نغالي إذا قلنا، مخطئ من يعتقد أن الأسوأ هو ما نشهده حالياً في سوريا والعراق، لأن ما يلوح به المستقبل من احتمالات في ليبيا يبدو هو الأصعب. فالوضع، والموقع، الذي تتمتعان بهما سوريا والعراق، هما أفضل كثيراً من ليبيا. فكل منهما محاط بقوى إقليمية كبرى وفاعلة، لن تسمح لتنظيم داعش بالتوسع في محيطه الإقليمي، حفاظاً على مصالحها. والحديث، هنا، بالطبع، عن تركيا الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، إضافة إلى إيران، وحليفها حزب الله صاحب الخبرة القتالية العالية في حرب العصابات، هذا، فضلاً على تقاطع استراتيجيات ومصالح قوى دولية كبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة، في منطقة الشرق الأوسط. ولا عجب، والحال هذه، أن تكون ليبيا أضعف حظًا من سوريا والعراق، في هذا الشأن.. إذ إن المحيط الإقليمي لليبيا تتقاسمه ست دول، لا تتمتع كلها بنفس الاستقرار والقوة التي تبدو عليها دول مثل تركيا وإيران، فيما عدا مصر، وإلى حد ما الجزائر، وهو ما يجعلها هي الأخرى هدفًا للتنظيم الإرهابي. بل، يكفي دليلًا على ذلك أن نلاحظ الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لأربعة على الأقل من هؤلاء الجيران. في هذا السياق، لا يسعنا سوى الإشارة إلى أن الغرب، بعد أن ساهم في الوضع الفوضوي، بل المأساوي، الذي تعيشه الساحة الليبية، يحاول استغلال هذا الوضع نفسه، من أجل التدخل، بحجة مساعدة الحكومة الليبية الجديدة، وهو ما يعني اعتلاء ليبيا قائمة الأجندة الغربية.. راهناً. تأكيدًا لذلك، لنا أن نلاحظ أسبابًا متعددة لهذا الموقع الذي تحتله ليبيا في هذه الأجندة.. فإضافة إلى تنظيم داعش، الذي لا يُمثل سوى ذريعة للتدخل، هناك احتياطيات النفط والغاز الواسعة، فضلًا على أهمية صناديق الثروة السيادية بالنسبة للغرب، التي تقدر بأكثر من 100 مليار دولار(!!). هذا إضافة إلى بروز ليبيا كطريق أساسي لتهريب المهاجرين إلى أوروبا. ناهيك عن موقعها المحوري بالنسبة إلى دول شمال إفريقيا العربية. وماذا بعد (؟!).. وبعد.. تتأكد بوادر فتح جبهة قتال جديدة في ليبيا، كنقطة ارتكاز رئيسية في منطقة شمال إفريقيا، خصوصاً العربية.. وهو ما يطرح العديد من التساؤلات حول التغيرات التي طرأت على المخططات الغربية لمستقبل ليبيا تحديداً، والدول العربية بمنطقة شمال إفريقيا، بل والشرق الأوسط عموماً. كما يطرح المزيد من التساؤلات حول مستقبل ليبيا في مخططات مرحلة ما بعد تأمين القوات الغربية لمناطق النفط والغاز فيها، على الأقل من منظور أن هذا يمثل الهدف الأكبر لهذه المخططات. وهنا، نعيد التساؤل الذي طرحناه من قبل: هل من المنطقي أن يتمدد تنظيم لا يمتلك طائرة واحدة، بهذا الشكل الذي نراه، ويدخل في حروب مع قوى دولية وإقليمية كبرى، في العراق وسوريا، والآن في ليبيا.. أم أن المسألة تتلخص في كونه لعبة تتحكم بها أجهزة استخبارات دولية كبرى لإعادة هيكلة المنطقة العربية بما يخدم مصالحها(؟!). كاتب وباحث مصري maaloumh@yahoo.com