×
محافظة المنطقة الشرقية

«غرفة المنازعات» تنظم المسابقة التحضيرية لـ «وليم فيس» للتحكيم التجاري

صورة الخبر

إيمان المومني  أكاديمية وكاتبة أكثر ما يلفت انتباهي، هو استخدامنا المفرط مفردتَي «موت»، و«جنون» ووضعهما في كل سياق حديثنا اليومي. لا أعلم، ولا أعرف بالضبط طبيعة الحياة الاجتماعية اليومية للشعوب الأخرى، هل هم مثلنا نحن «معشر الشعوب العربية»؟ أي هل يعشقون، ويستخدمون كلمتَي «موت»، و«جنون» كما نعشقهما نحن، ونستخدمهما؟ وهل يقومون بوضعهما في معظم سياق حديثهم؟ منذ طفولتي، وحتى اليوم، وأنا مازلت أسمع كلمة «موت»، بل إنني تربيت عليها منذ صغري، فكانت معلمة المدرسة، وأنا في الصفوف الابتدائية الأولى، تقول لنا مهددة: إن لم نحفظ النشيد «سأموتكم» من الضرب. وإذا أعجبتنا معلمة جديدة في أسلوبها، وطريقة شرحها، نعبِّر عن ذلك بكل عفوية بقولنا: إننا «نموت عليها»، وأن حصتها «تجنن». فتهزُّ المديرة رأسها، وتحرك نظارتها قائلة: اسمعوا كلامها، و«لا تجننوها». وكانت أمي إذا أرادت أن تشجعني على أكل نوع من الطعام لا أحبه، تقول لي: والله إنها أكلة «تجنن». وإذا أراد شخص أن يعبِّر عن حبه لشخص آخر، نجده يقول له: «أحبك موت»، أو «حبك جنني»، أو يا «مجنون» أنا «أحبك موت». وإذا أراد شخص أن يصف لنا برودة الجو والشتاء يقول: «شتاؤها موت»، أو الدنيا «بردها موت». وإذا أراد أحدنا أن يصف جمال الطبيعة خارج المنزل ليشجع الآخرين على الخروج في نزهة، نجده يقول: الجو «يجنن»، أو الدنيا حلوة و«تجنن». وإذا ذهبت أمي إلى حفلة عرس، نسألها بعد عودتها من صالة الزفاف: كيف كانت العروس؟ فتجيب: والله إنها «تجنن»، وكل الناس «ماتوا عليها»، وكل الحاضرين كانوا «يجننون»، و«يموتون» من الضحك. وإذا أراد شخص أن يصف لنا فيلماً كوميدياً، أو مسرحية كوميدية، شاهدها، يقول لنا: شاهدت مسرحية «تموِّت» من الضحك، ومن ثم يصمت قليلاً، ليقول لك: حلوة! فتسأله أنت من غير قصد: يعني أنها «تجنن»؟ فيرد عليك قائلاً: نعم إنها تجعل الواحد «ينجن»، و«يموت». وأنا شخصياً أقول: «أموت» على فلان من الناس، أو أحبه «موت»، أو تجدني أحياناً أقول: سأحكي لك نكتة «تموِّت» من الضحك. ولو سألتني صديقة عن صورتها الجديدة على «فيسبوك»، أجاملها بكلمة واحدة، وهي: «تجنن». وأحياناً نستخدم كلمة «موت» للتعبير عن الكراهية، فنقول: «أموت منك ما بحبك»، أو «أنجن منك». وإذا كنا نجلس في جلسة عادية، وذكرنا رجلاً مكروهاً بين الحضور، وجدنا كلهم يقولون: «سكروا» على الموضوع، لأننا «نموت» من سيرته. وإذا ذكرنا رجلاً محبوباً بينهم وجدناهم يقولون: والله «نموت» على سيرته. وإذا تحدث صديق لصديق عن حبه فتاة ما، يقول له: حبها «جنني»، حبها «موَّتني»، ومن ثم يقسم قائلاً: والله «أموت» عليها. هذا اللغز حيَّرني: لماذا تعشق هذه الشعوب العربية كلمتَي «موت»، و«جنون» لهذه الدرجة، فنجدها تضعهما، وتستعملهما للتحبيب، والترغيب، والكراهية؟! إذا ضحكوا، ضحكوا بـ «موت». وإذا عشقوا، عشقوا بـ «موت»، و«جنون».