يتواجد تنظيم داعش على مساحة واسعة بين العراق وسوريا، حيث مركزه الرئيسي، إضافة إلى فروعه في مصر وليبيا وغيرهما، فيما تشمل عملياته مناطق متعددة، منها المملكة والخليج، لكن التدقيق في حال هذا التنظيم، يمكن أن يؤدي لاستنتاج وجوده أولاً في الانترنت، قبل أي مكان آخر، وبالتحديد في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يبدو أن مقره الرئيسي هناك، حيث يعمل بنشاط. استثمر التنظيم الإعلام الجديد بشكل فعال، وتمكن من توظيف أحدث التقنيات في التصوير والمونتاج لإيصال رسائله، بما يغري مجموعات من الشباب المتحمسين، في الوطن العربي وفي أوروبا، للالتحاق بالتنظيم، والمساهمة في تثبيت أركان ما يرونه خلافة إسلامية جديدة. يحاول تنظيم داعش الجمع بين مفاهيم تراثية وأدواتٍ حديثة، إذ يقوم بمحاولة إحياء مفاهيم الخلافة والفتوحات التاريخية، من خلال جهاز بيروقراطي حديث للدولة، واستخدام أدوات الحداثة المتوفرة، بما فيها شبكة الانترنت، وما توفره من مساحة للترويج واجتذاب الكوادر والمناصرين. الدعاية الإعلامية للتنظيم تقوم على استعراض القوة، باعتبار القوة عنصر جاذبية أساسيا للتنظيم، إذ يصور التنظيم نفسه بوصفه تنظيماً لا يقهر، قادراً على الانتصار وسحق الأعداء، واسترداد كرامة المسلمين المهدورة (طبعاً بعد تطهير المجتمع المسلم من المخالفين)، ويحاول التنظيم إظهار نفسه منتصراً دائماً، حتى حين يخسر مناطق في العراق وسوريا، فهو يقوم بهجومٍ على مناطق أخرى سريعاً لتعويض خسارته، وتثبيت أسطورة انتصاره الدائم ومنعها من الاهتزاز أمام عناصره وأنصاره. يعتمد التنظيم على إظهار قدرته على الإنجاز، في دعايته الإعلامية، إلى جانب إظهار توحشه تجاه أعدائه، بممارسة أساليب متنوعة ومبتكرة في قتل وتعذيب المجموعات التي يعاديها، مستنسخاً فكرة «الصدمة والرعب» الأميركية التي استُخدمت في حرب العراق عام 2003، وهو يستثمر أحدث التقنيات في التصوير والإخراج، لبث الرعب في صفوف المكونات الاجتماعية التي يستهدفها، بنشر مقاطعه المصورة عبر الشبكات الاجتماعية، وكلما حذفت المواقع تلك المقاطع، أعاد عناصره النشطون في الشبكات تحميلها مرة أخرى، عبر روابط مختلفة. هذه الدعاية الإعلامية يبثها التنظيم بالخصوص في موقع تويتر، فلعناصره وأنصاره مجموعة من الحسابات النشطة، التي تغرد بشكل مستمر لنشر دعاية التنظيم، والتواصل مع الشباب، وإغرائهم بالانضمام للتنظيم، وتقوم هذه الحسابات بعملية إغراق «للهاشتاغات النشطة» في موقع تويتر، حتى تلك الخاصة بكرة القدم، فهم يحاولون من خلالها نشر دعايتهم لأكبر عدد ممكن، واصطياد من يمكن اصطياده من الشباب، ونشر المقاطع المصورة التي تظهر قوة التنظيم ونجاحاته في إدارة المناطق التي يسيطر عليها. هذه الحسابات تصنع حضوراً هو الأهم ربما لهذا التنظيم، وتغذيه بالكوادر، ولابد من استراتيجية إعلامية حديثة، تواجه دعاية التنظيم برؤية مضادة، وتظهر تهافت أسطورة إنجازاته، وترفض لعبه على وتر الطائفية، وشق الصفوف وإحداث الفتنة في مجتمعاتنا، بخطاب وحدوي جامع، يُحصِّن بالذات فئة الشباب، من تلقف دعاية التنظيم.