من اللافت حقاً أن يخرج أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون عن صمته ويعلن على الملأ أنه يشعر بالذنب والعيب لعدم حل القضية الفلسطينية في عهده الذي ستنتهي ولايته الثانية مع نهاية هذا العام، وكأنه بهذا الشعور يريد أن يمنح نفسه شهادة براءة من ثقل المأساة التي تلقيها هذه القضية على الضمير العالمي وحجم الدم المسفوح على جنباتها. لكننا نسأل هل أراح بان كي مون ضميره بعد أن قال كلمته وانتهى، وماذا نفعل بهذا الشعور بالذنب، أمام مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، وملايين المشردين في شتى بقاع الأرض.. ماذا نفعل بهذا الشعور أمام عمليات التهجير والتهويد وهدم المنازل ومصادرة الأراضي الفلسطينية المستمرة والمتواصلة تحت سمع المجتمع الدولي وبصره.؟. وماذا نفعل بهذا الشعور أمام جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها قوات الاحتلال من عمليات قتل وإعدام يومية بحق الفلسطينيين مروراً بانتهاك المقدسات إلى إحراق الأطفال وهم أحياء ومعهم الشجر والحجر والبشر. يستطيع بان كي مون أن يعبر عن مشاعره كما يشاء، ولكن من حقنا أن نسأل أيضاً، ماذا فعل بان كي مون لحل القضية الفلسطينية منذ تسلمه أعلى منصب عالمي في عام 2007 وحتى الآن، هل طبق قراراً واحداً من عشرات القرارات الدولية التي اتخذها مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، أم أن هذه القرارات تتوقف عند أبواب الكيان الصهيوني باعتباره من ذوات الدم الأزرق ليبقى هذا الكيان فوق القانون، وتبقى هذه القرارات حبراً على ورق؟ ولماذا يختبئ بان كي مون وراء إصبعه حين لا يسمي الأشياء بأسمائها ويكتفي بالدعوة لإحياء مفاوضات عقيمة شبعت موتاً منذ سنوات، وفي النهاية يترك الأمر لأطراف الصراع أنفسهم لكي يقرروا إنهاءه، وكفى الله المؤمنين شر القتال؟ شكراً لبان كي مون لأنه طالب بوضع حد لهذا الصراع، وأشار إلى الاحتلال بأنه يخنق الفلسطينيين، ولأنه دعا إلى إفساح المجال أمام الشبان الفلسطينيين ليكبروا من دون كراهية. لكن حتى هذه المطالبة وتلك الدعوة ووجهت بهجوم شرس من جانب قادة الكيان الذين اتهموه بالنفاق وبدعم الإرهاب. ومرة أخرى ينحني بان كي مون أمام العاصفة الصهيونية، ويرد مبرراً تصريحاته بأنه لا يعمل من أجل بلد معين أو سياسة معينة، وإنما يعمل لسكان المنطقة. والحقيقة أنه لم يفعل شيئاً لا للمنطقة ولا لسكانها، ولن يستطيع لا هو ولا غيره من الذين يتربعون على عرش المنظمة الدولية، طالما بقي الكيان دولة فوق القانون، وطالما بقيت سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها واشنطن والغرب عموماً قائمة في التعامل مع القضية الفلسطينية. وعلى أية حال، هناك تاريخ طويل بين فلسطين والأمم المتحدة سيظل شاهداً على فشل المنظمة الدولية، ليس في حل الصراع، بل حتى في التأثير في مجرياته، وهناك أمناء عامون للأمم المتحدة يأتون ويذهبون، دون أن يتركوا أي بصمة على القضية الفلسطينية، ولكن ها نحن أخيراً نجد منهم من يعرب عن شعوره بالذنب، فهل نتعظ ونقول.. وداعاً يا بان كي مون. younis898@yahoo.com