شهد الاقتصاد الأمريكي نمواً قوياً في الربعين الثاني والثالث من عام 2015، حيث نما بنسبة 3.9% و2.0% على التوالي. ولكن تعثر الأداء في الربع الأخير الذي شهد نمواً بنسبة 0.7% فقط. وقد كان السبب الرئيسي لهذا التراجع هو عمليات تصفية الاستثمار في قطاع الطاقة والإسهام السلبي لصافي الصادرات. ومن المتوقع أن يستمر التأثير السلبي لهذين العاملين على الاقتصاد خلال عام 2016، ولكننا نتوقع أن يقود الارتفاع القوي للاستهلاك إلى رفع النمو في الولايات المتحدة إلى نحو 2%، وهو ما يعد أعلى قليلا من المعدل الطبيعي للنمو. من الممكن تحليل النشاط في الاقتصاد الأمريكي عن طريق فحص مكوناته المختلفة: الاستهلاك الخاص، واستثمارات القطاع الخاص، والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات. ويعطي مجموع هذه المكونات مقياساً للطلب الكلي في الاقتصاد يعرف باسم الناتج المحلي الإجمالي. ومن المتوقع أن يستمر الاستهلاك الخاص في النمو في عام 2016 بنحو 3.3%. ويعد الاستهلاك أكبر مكون في الناتج المحلي الإجمالي بفارق كبير، حيث يمثل ما يقرب من 70%. الاستهلاك يشهد الاستهلاك في الولايات المتحدة حالياً مجموعة من الظروف المواتية. فقد انتعش نمو الأجور في الأشهر الأخيرة ليصل إلى 2.5% في ديسمبر/كانون الأول. وزادت الوظائف بمعدل أكثر من 220 ألفاً في الشهر في عام 2015، ما أدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى 5.0%. وأدى الانتعاش القوي في سوق العمل وانخفاض معدل البطالة إلى استفادة عدد أكبر من الناس من ارتفاع الأجور. كما تعززت القوة الشرائية للمستهلكين بانخفاض أسعار النفط، وهو ما حرر بعض الدخل لصالح الاستهلاك. ويمكن للمرء أن يجادل بأن الانخفاض الأخير في أسعار الأسهم (7.5% حتى الآن هذا العام) قد يقلل من ثروة المستهلكين، وبالتالي أن يقلل من إنفاقهم. ولكن من المرجح أن يكون أي أثر من هذا القبيل صغيراً وأن يقابله ارتفاع في أسعار المنازل. وفعلياً، تظهر الاستطلاعات ارتفاع وتصاعد ثقة المستهلكين دون أن تتأثر بالانخفاض الأخير في أسعار الأسهم. الاستثمارات لا تبدو الصورة وردية بالنسبة للاستثمارات. فتراجع أسعار النفط يدفع شركات الطاقة في الولايات المتحدة إلى تقليص نفقاتها الاستثمارية. علاوة على ذلك، ظل حجم المخزونات يرتفع بوتيرة سريعة وغير قابلة للاستمرار، وهو ما يحتمل أن يكون مثبطاً للنمو في عام 2016. من جهة أخرى، نتوقع أن ينمو الاستثمار في قطاعات أخرى بوتيرة معتدلة، خصوصاً الاستثمارات في المباني السكنية، مدفوعاً بانتعاش سوق المنازل. بشكل عام، نتوقع أن يتباطأ نمو الاستثمارات من 4.8% في عام 2015 إلى 1.6% في عام 2016، وهي أبطأ وتيرة لمعدل النمو منذ عام 2009. الإنفاق الحكومي من المتوقع أن يكون للإنفاق الحكومي تأثير محدود على معدل النمو. فالسياسة المالية في الولايات المتحدة حالياً لا هي توسعية ولا هي انكماشية وبالتالي فمن غير المحتمل أن تؤثر على النمو. الصادرات تشكل الصادرات عبئاً على الاقتصاد. فقد أدى ارتفاع قيمة الدولار بالفعل إلى زيادة مؤشر سعر الصرف الفعلي الحقيقي ‒ وهو أداة تستخدم لقياس تراجع القدرة التنافسية لأسعار الصادرات ‒ بنسبة 15.6% منذ بداية عام 2014. ومن المرجح أن يستمر الدولار الأمريكي في الارتفاع في المستقبل، حيث يُتوقع أن يستمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في تنفيذ سياسة التشديد النقدي، في الوقت الذي ستقوم فيه أغلب البنوك المركزية الأخرى، خاصة في منطقة اليورو واليابان، بتيسير سياساتها النقدية أكثر. ونتيجة لذلك، يتوقع أن يطرح صافي الصادرات حوالي 0.4 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يتماشى مع ما حدث في الربع الرابع من عام 2015. وبتجميع المكونات المختلفة للإنفاق، من المتوقع أن يتسارع النمو من 0.7% في الربع الرابع لعام 2015 إلى 2.1% في 2016. ومن المفترض أن يكون النمو القوي في الاستهلاك هو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي الكلي، حيث يُتوقع أن يعوض وبفارق كبير عن التأثيرات السلبية الناتجة عن تباطؤ الاستثمارات وتراجع صافي الصادرات، نظراً لأن الإنفاق الخاص يشكل القدر الأكبر من إجمالي الإنفاق في الاقتصاد.