أكثر من مليون لاجئ تدفقوا إلى أوروبا العام الماضي، أغلبهم من سوريا والعراق وغيرهما، ربما يكون الرقم عادياً في حسابات الدول لاستقبال اللاجئين، لكن المشكلة الكبرى ، هي الشرائح العمرية التي تتضمنها هذه الأعداد، ومن بينها طبعاً الأطفال، الذين قارب عددهم بحسب إحصاءات منظمة يوروبول 270 ألف طفل، وتظل الأرقام إلى هنا عادية وممكنة، إلا أن المرعب في الموضوع، أن يختفي عشرة آلاف طفل في أوروبا، بحسب المنظمة نفسها، وهم أطفال وفدوا إلى الدول الأوروبية من دون مرافقين، وهنا تكمن صعوبة أخرى، تزاد على أساس المشكلة. والمفارقة الأغرب في هذا الموضوع، أن عدد الأطفال الوافدين إلى أوروبا بلغ 26 ألف طفل من غير مرافقين، وإذا كان العدد المثار حوله الشبهات حتى الآن، هو عشرة آلاف، من يضمن أين الستة عشر ألفاً الآخرين، ومن يمكنه الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بأوضاعهم، لجهة الإقامة أو ظروف الحياة أو غيرها من المسائل اللصيقة بوضع الأطفال، كفئة عمرية لها حاجاتها الخاصة، وهي مكفولة بموجب الاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الطفل أولاً، وبحقوق اللاجئين ثانياً. والأمر الذي يثير الريبة والمشاعر، هو تأكيد مدير وكالة الشرطة الأوروبية، بريان دونالد، أن آلاف القاصرين اختفوا عن سجلات الوافدين إلى الدول الأوروبية، بعدما تم توثيق أوضاعهم وظروفهم، ما يعني أن أمراً مريباً ومدبراً، يجري في غير مكان أوروبي، وبالتالي ثمة مخاوف مبررة، لأن يكون ثمة عصابات منظمة تتلاعب بمصير هؤلاء الأطفال، الذين يعتبرون، الفئة الأضعف بين المهاجرين، والذين لا يملكون أية نقاط قوة يستندون إليها، وبخاصة أهاليهم. والسؤال الذي يطرح نفسه وبقوة، هل ثمة عمليات اتجار بالبشر أو عمليات استعباد، وصولاً إلى استغلالهم، وحتى المتاجرة بأعضائهم، وهي تجارة رائجة في تلك الحالات؟ المؤسف، والمبكي في آن، أن تجري مثل تلك الوقائع على أرض الحريات وحقوق الإنسان، التي تعتبر الدول الأوروبية المرتع الأفضل لتلك الباقات التي يحلم بها كل لاجئ أو مقيم خارج الدول الأوروبية، فثمة بالتأكيد منظمات ينبغي متابعتها والبحث عن مدبريها ومشغليها، سيما أن الأرقام المتداولة، مرعبة كأعداد وأشخاص من توجّه ضدهم عمليات الإخفاء والاستغلال. فثمة خمسة آلاف طفل فقدوا في إيطاليا وحدها، إضافة إلى ألف طفل فقدوا في السويد، وهناك مئات الموقوفين في ألمانيا والمجر وغيرها على خلفية الاتجار بالبشر والاستعباد والاستغلال، وهذه الأرقام ليست نهائية بالطبع، فهي مرشحة للارتفاع، إن لجهة الوافدين الأطفال دون مرافقين، أو الذين سيفقدون، أو لجهة حالات الإجرام التي يمكن أن تتفشى بين هذه الفئات العمرية، التي تعتبر الفئة الأكثر تأثراً بطرق ووسائل الانحراف الاجتماعي والسلوكي والأخلاقي، وبالتالي سيصبحون عبئاً على المجتمعات التي استقبلتهم عنوة أو برضا لأسباب وخلفيات مختلفة. في مطلق الأحوال، ثمة أكثر من مشكلة كأداء تواجهها أوروبا واتحادها، أولاها ، تحديد مصير المفقودين، المعروفة أسماؤهم وأوضاعهم، بحسب وكالة الشرطة الأوروبية ، يوروبول، وثانياً تحمّل وزر نتائج كثيرة يمكن أن تظهر لاحقاً، إن كان لجهة هؤلاء الأطفال، أو لجهة من سيتابع أوضاعهم، هذا إن تمَّ الكشف عن مصيرهم. صحيح أن ثمة موجة كره عنصري تمارس ضد اللاجئين، وهي ناجمة عن عوامل كثيرة مرتبطة بظروف اللاجئين وسلوكاتهم، وهي مبررة بنظر البعض من الناحية الواقعية، لكن غير المبرر أيضاً، أن تواجه هذه المعضلة باستخفاف، ومن دون اللجوء إلى حلها بوسائل وطرق حضارية والتي تدعي هذه المجتمعات الأوروبية، أن حقوق الإنسان أيقونتها الفريدة. إن الخطأ الأساسي الذي ارتكبته الدول الأوروبية، اتحاداً ودولاً، هو مواجهة موجات اللاجئين، بوسائل وطرق ومناهج أمنية، ما تسبب بانفلات الأمور من عقالها، وبالتالي عدم القدرة على استيعاب ظاهرة اللجوء والهجرة غير الشرعية، وهي آفة عالمية وليست أوروبية فقط، لذا على المنظمات الدولية إحاطتها بعناية خاصة، سيما أن مجموع اللاجئين في العالم، يوازي عددها في دول إقليمية كبرى، وبالتالي فإن حلّها يستوجب خططاً دولية من نوع آخر، وبخاصة تلك المتصلة بالأطفال، فمن المسؤول عن فقدان هذه الأعداد ؟ ومن الذي يضمن ألا يكون هذا الرقم أعلى بكثير؟ أسئلة مرعبة من الصعب الإجابة عنها في المدى المنظور.