فيروز طفلة لم تكن عادية، ولدت نجمة وماتت نجمة. فيروز كانت وستبقى أسطورة السينما العربية. بموهبتها دخلت الفن السابع وهي ابنة سبعة أعوام، وخرجت منه وهي طفلة أيضاً لتترك وراءها عشرة أعوام من الإبداع الحقيقي في مختلف ألوان الفن من غناء ورقص وتمثيل، وعشرة أفلام تعتبر خالدة في تاريخ السينما العربية. خبر رحيل فيروز أو بيروز أرتين كالفيان أحزننا جميعاً، فهي بقيت نجمة لامعة في سمائنا رغم اعتزالها المبكر، واختفائها عن الأضواء كل تلك السنين، وبملء إرادتها. كنا نشعر بوجودها ونحترم رغبتها في الابتعاد عن الفن والأضواء. لم تغرها الشهرة ولا النجومية، ولا حتى لقب الطفلة المعجزة استطاع أن يقودها إلى الغرور والعجرفة. كانت ملكة متوجة على قلوب المشاهدين من كل الأعمار والجنسيات، ولو شاءت أن تعود إلى الفن لوجدت الجمهور يصفق ويرحب بها، لكنها أغلقت بابها، وصمت أذنيها، وعاشت حياة عادية مكتفية بالذكريات الجميلة، والسيرة الطيبة لطفلة أبهرت العالم العربي. لو شاءت فيروز لكانت الظروف ساعدتها للوصول إلى العالمية التي تتوفر فيها كل شروطها. لكنها اختارت الحب والحياة العائلية على كل بهرجة المسرح والتلفزيون والسينما.. لم تهرول خلف المال، ولا خلف الألقاب، رغم أنها تملك موهبة تقدر أن تجعلها دهب السينما العربية وصاحبة الملايين لا الريال. غريب كيف أنها لم تفقد توازنها وهي نجمة السينما العربية يوم كانت بعد طفلة، ووصلت إلى مرحلة كانت تُكتب من أجلها الأفلام ويتشرف كبار النجوم أمثال أنور وجدي وإسماعيل ياسين وزكي رستم وتحية كاريوكا وهند رستم وماجدة ومديحة يسري وغيرهم.. بالتمثيل معها، حيث كانت الشمس التي يدور حولها كواكب الشاشة في كل فيلم قدمته. لأنها نجمة حقيقية، عرفت أن الموهبة أغلى من أي ثمن، ولم تفقد توازنها أمام إغراءات الشهرة ومغريات كثيرة قُدمت لها. غابت عن الشاشة مبكراً، وغابت عن الحياة مؤخراً، لكنها كانت وستبقى الأسطورة التي تحكي عن ذاتها وتقدم نفسها نموذجاً للموهبة الحقيقية، والفنانة الأصيلة، والنجمة التي رأت في السينما شاشة لعرض الفن والتواصل مع الجمهور. لم تعتبرها سلماً للوصول إلى المجد، ولم تبتذل ما تملكه من مواهب متعددة، ولم تسقط في مطبات الفن التي جرفت ممثلين كثر نحو الانحراف والغرق في عالم المخدرات والضياع. فيروز كانت طفلة معجزة، وبقيت كذلك في عيوننا رغم وفاتها عن 72 عاماً، وستبقى معشوقة كل الأجيال القادمة، والنموذج المثالي للموهبة الفذة والفن الأصيل. marlynsalloum@gmail.com