ظل مجتمعنا زمنا طويلا وأطباء النفس فيه يؤكدون نفيهم إمكانية دخول الجن الى جسم الانسان والتحدث على لسانه، فكان المستنيرون يفهمون قولهم ويصدقونهم أما أولئك الذين غشى الضلال والجهل على أفئدتهم فكانوا يهاجمونهم وينكرون عليهم قولهم وربما وصموهم بالخروج على الدين وتكذيب ما جاء به !! وتبعا لذلك ازدهرت عيادات مدعي العلم من الرقاة الذين يوهمون الجهال بقدرتهم على طرد الجن من أجسام المصابين بهم، بقراءة القرآن عليهم واستيفاء المال منهم مقابل ذلك، وأسوأ من هذا أن بعض اولئك المعالجين كان يلجأ إلى طرد الجن بالعنف فيضرب المريض ويؤذيه أذى شديدا قد يبلغ في بعض المرات إلى أن يودي بحياته، وبعضهم قد يستغل الموقف متى كانت المريضة امرأة شابة فيتحرش بها، إلا أن عامة الناس لم يكونوا ليرتدعوا أو يفقدوا إيمانهم بجدوى الذهاب إلى (الراقي) ليطرد الجن من اجسامهم !! الشيخ علي العمري، وهو من أشهر من كان يمارس ذلك الدور في المدينة المنورة وكان بعض العامة يشدون إليه الرحال من أماكن بعيدة ليطرد الجن من اجسامهم بالرقية، أقر في حديث مصور له أنه رجع عن ممارسة ذلك الدور بعد أن تبين له عدم صحة دخول الجن جسم الانسان ونطقهم على لسانه، وأنه اقتنع بذلك بعد أن اتصل باطباء النفس وفهم منهم ما يعتري المريض النفسي من أوهام وتخيلات، كما أنه رجع الى القرآن الكريم ولم يجد فيه ما يدل على أن الجن ينطق على لسان الانسان، لذلك اقتنع الآن باستحالة تحدث الجن بلسان المريض وكذب من يدعي ذلك، وأتى بأمثلة تؤكد ما يقول. هذا الفيديو الذي أطلقه الشيخ العمري يعلن فيه تبينه للحق وتراجعه عما كان فيه من باطل، عمل شجاع يستحق عليه الشكر والثناء والتقدير ونسأل الله أن يكتب له أجر ذلك، خاصة أن هذا الفيديو كان له تأثير جيد على كثير من عامة الناس، فقد انتشر سريعا بينهم وتفاعلوا معه إيجابيا، بمعنى أن من كان منهم يصر على أن الجن يختبئ في جسم الانسان لينطق على لسانه، لما شاهد الفيديو تأثر بكلام الشيخ وتراجع عن قوله تبعا له. كان لهذا الفيديو الوحيد أثر في توعية العامة أكبر مائة مرة من عديد من المحاضرات والأحاديث التي يلقيها أطباء النفس فلا يجدون لها أذنا تصغي !! وهذا يدفعني إلى القول إن دور (الشيوخ) في توعية العامة في أمور كثيرة، هو أكثر جدوى وأبلغ تأثيرا من غيرهم من المثقفين الحريصين على تنوير العامة وتوعيتهم، فالناس يثقون في من يتحدث باسم الدين أكثر من ثقتهم في من يتحدث باسم العلم، لذلك يصدقون الشيوخ ويستجيبون لقولهم أسرع بكثير من استجابتهم لغيرهم. إلا أن ذلك لا يتحقق ما لم يتغير أولا فكر أولئك الشيوخ كما تغير فكر الشيخ العمري، فيقيمون بينهم وبين العلم الحديث جسرا من التواصل يعينهم على الفهم لما غمض من حقائق هذه الحياة ويمكنهم من إيصال الحقيقة ناصعة إلى عامة الناس.